المرأة ونفحات من وهج الماركسية

حين تشتد الصعاب، وتتعقد الأمور وتظلم دنيا الأفكار والمفاهيم بمعتقدات وأفكار ظلامية، تصبح الحاجة للالتفات إلى الخلف ضرورية لاستذكار نقاط مهمة ومضيئة ومحفزة من إرث الماركسية، وخاصة مايخص قضية تحرير المرأة.

لقد ربطت الماركسية بين تحرير المرأة وتحرير المجتمع من كل مظاهر التمييز الطبقي والقومي والديني والإثني، ومن خلال رصد الماركسية لأثر التحول في أسلوب الإنتاج على الوجود الإنساني، وبضمن ذلك نمط العلاقة بين الرجل والمرأة، توصلت إلى أن النظرة إلى دونية مرتبة المرأة لاتتعلق بالفروق البيولوجية، بل هي نتاج تطور تاريخي اجتماعي، بين المرأة والرجل، والدليل على ذلك أنه في المجتمعات البدائية كانت هناك مساواة بين المرأة والرجل، وكانت العلاقة بين المرأة والرجل تقوم علي الاختيار الحر من الطرفين، كما عرفت تلك المجتمعات الشكل الأمومي أي حق الأم في أن ينسب أبناؤها إليها.

ولكنه ومع ظهور الفروق الطبقية التي ترافقت مع ظهور المجتمعات الزراعية والرعوية، وتركز الثروة التي مثلت القوة بالنسبة لتلك المجتمعات في يد الرجل، بدأت تبرز ملامح التمييز بين المرأة والرجل لصالح الرجل بما يضمن استمرار سيطرته وسطوته. وعند هذه النقطة كانت الهزيمة التاريخية للمرأة، وهذه الهزيمة تماشت مع انقسام المجتمعات إلى فئة ضعيفة مضطهَدة وفئة قوية مضطهِدة.

وإن ماسبق من السرد هو لبيان دور الدراسات الماركسية في دفع حركة تحرر المرأة نحو الأمام حين أضاءت على النقاط التالية:

1. إن أي مجتمع لن يتطور إذا لم تتطور المرأة فيه.

2. إن خلق الأساس الاقتصادي الجديد لشكل أكثر ارتقاء لنظام الأسرة ولشكل العلاقة بين المرأة والرجل لن يتحقق إلا بعمل المرأة إلى جانب الرجل.

3. النضال ضد التمييز الموجه للمرأة ليست مهمة النساء وحدهن، بل هي مهمة الرجال والنساء.

4. إن تحرير المرأة يتطلب دخولها ليس فقط إلى مجال الإنتاج الاجتماعي، إنما تحويل الخدمات المختلفة مثل العناية بالأطفال والمسنين والعجزة إلى المجتمع.

5. إن تحرير المرأة لاينحصر ولا يتحقق في مستوى العلاقات الإنتاجية فقط، ولكنه يرتبط بالشق الثقافي الذي يرتبط حتماً بالنضال ضد الفكر الذي كرس ظلم المرأة ودونيتها، التي هي حصيلة ممارسات طويلة الأمد من القمع والاضطهاد للمرأة.

وبالتالي لابد من مواصلة النضال ضد الأفكار والمعتقدات التي تكرس دونية المرأة والتي كرستها مجتمعات الرق والإقطاع و الرأسمالية التي تعيد إنتاج عدم المساواة بين المرأة والرجل وتجعل منها سلعة وأداة للمتعة.

واليوم، بعد سنوات طويلة من هذه الإضاءات، وبعد النضالات المريرة المختلفة لنساء الأرض لتحقيق إنسانيتهم، مازالت المرأة تعاني ضمن دائرة الصراع التمييزي.

نعم، اليوم ونحن نعيش هذا الزلزال الذي يهدف لاقتلاع كل ما بنيناه عبر التطور الإنساني في حياة وطننا، فإننا بحاجة ماسة إلى أن نستمد القبس من الفكر الماركسي لننعش به رصيدنا، وننطلق من جديد لنبني مايجري هدمه على الصعيدين المادي والفكري.

العدد 1105 - 01/5/2024