العثمانيون الجـدد.. الحصاد المر

 يبدو أن سقوط الحلم التركي في الشرق هو أسوأ ما حصده العثمانيون الجدد من نتائج عكسية لمغامرتهم السورية. وذلك لأسباب التالية: أولاً، سقوط حلم (المنطقة الآمنة) الذي هو، ككل أحلام (العثمانية الجديدة)، حلم استبدادي عدواني توسعي غير واقعي وغير منطقي.وثانياً، لأنه حلم  تجاوز العصر والتاريخ والواقع السياسي المعاصر، ولن يحصد  حزب (العدالة والتنمية) من إصراره على إحيائه إلا الخيبة. أمّا ثالثا والأهم، فلأنه دفع أنقرة نحو الاستثمار في إرهاب العصابات (السلفية الجهادية)، التي لم تعد وحشيتها تقتصر على منطقة (الشرق الأوسط) وشمال إفريقيا، بل تخطتها إلى دول العالم بأسره، خصوصاً الدول (الغربية) التي استثمرت بقيادة أمريكية، ولاتزال، لمصلحة آنية، في هذه العصابات، لتجني فرنسا، مثلاً، ما جنته الولايات المتحدة، حين انقلب عليها تنظيم (القاعدة) في تفجيرات 11/أيلول 2001.

لكن أنقرة، من فرط إيديولوجية حزبها الحاكم فيها، لم تتعلم من دروس (القاعدة) و(طالبان) مع الولايات المتحدة والباكستان. وأكثر، إذ بعيداً عن أحلام حزب (العدالة والتنمية) الإيديولوجية المنفصلة عن الواقع، فإن ثمة، في الرد الروسي القاسي، على حادث إسقاط قاذفتها، وفي اكتفاء واشنطن وحلف الناتو بالتضامن البروتوكولي مع تركيا، ما يحمل على الاعتقاد بأن رهان أنقرة على حماية حلف الناتو كان رهاناً في غير محله، بسبب الوضعية الدولية متحركة، وانحراف القطبية الأمريكية الأحادية من مركز القرار الدولي إلى الأطراف، لأن العالم بدأ يسير نحو نظام ستكون سمته النهائية تعدد الأقطاب، وإن كانت واشنطن  ستبقى الأقوى بينهم في المدى المنظور، لكنها، في الأحوال كافة، لم تعد شرطي العالم الذي يأمر فيطاع. لكن السؤال: هل يتعظ العثمانيون الجدد في تركيا ويستوعبون الدرس، ويكفون عن سياستهم الاستبدادية، داخلياً، والعدوانية تجاه جوارهم العربي، والعسكرية تجاه المسألة الكردية، وعما تقتضيه هذه السياسة من استخدام لعصابات (الجهادية السلفية) بمسمياتها كافة؟!

إن الصراع قد بدأت بوادره تظهر في تركيا نفسها، الأمر الذي جعل العثمانيين الجدد يحاولون عقد صفقة بين العمامة الإسلامية والخوذة الأتاتوركية، فالاثنان، تاريخياً، يُتقنان ثقافة الإقناع. الأولى تحت عباءة الأيديولوجيا، والثانية فوق متن الدبابة. هذه الصفقة إن تمت فإنها ستُدخل المنطقة في دوامة من الدم، لأن زعيم العثمانيين الجدد، وفي سبيل الفوز في معركة تعديل الدستور، لن يتورع عن إشعال النيران في تركيا والمنطقة، فحلمه في الخلافة يتحقق بمسابح الدراويش وحراب الجنود. إلا إذا قرر أسياد رقعة الشطرنج العظمى إعادة هذه المجموعة إلى هضاب الأناضول حيث سيقضون وقتهم في قراءة أشعار جلال الدين الرومي وممارسة رقصة الدراويش المولوية، بدلاً من السماح لهم بإعادة الحياة إلى جثة الإمبراطورية الميتة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024