هل قرأ أردوغان قصة سنمار والنعمان بن المنذر؟

يُحكى أن النعمان بن المنذر، الذي حكم الحيرة في العراق بين عامي (582-906)، كلّف سنمار، وهو مهندس رومي، ببناء قصر مهيب، يتباهى به بين نظرائه، فكان له ما أراد، وظهر قصر الخورنق إلى الوجود.

صعد الملك النعمان بن المنذر مع سنمار إلى سطح القصر بعد اكتمال بنائه، وهناك جرى الحديث التالي بين الرجلين. سأل النعمان: هل هناك قصر مثل الخورنق؟ وهل يوجد من يستطيع بناء مثيل له؟ وكانت الإجابة بالطبع لا. وحين استلم سنمار زمام الحديث باح لمليكه بسر، متفاخراً بأن القصر فريدٌ من نوعه أساسه يرتكز على حجر إذا انتزع انهار البناء كله. ولما أقر سنمار بأنه الوحيد الذي يعلم موضع الحجر، دفع به النعمان من سطح القصر، فسقط صريعاً وحمل السر معه.

أرادت الأسطورة هذه أن تعطي درساً في الفضيلة، فخلدت سنمار وضربت به مثلاً عمن يجازي الإحسان بالسيئة، ومضى التاريخ بها ينقلها من جيل إلى آخر، كما في كل الأساطير المشابهة.

وفيما بقيت الأسطورة ثابتة على حالها تتغلغل في مسامات الطبيعة البشرية حتى صار في كل بنيان حجر يحمل سر سنمار. لكن تطور العلوم التكنولوجية والإنسانية جعل من هذا السر أمراً يسهل كشفه بقليل من التأمل والتدبير، الأمر الذي لم يستطع أن يدركه كثيرون من سكان الشرق الأوسط الذين وصل تضخم حب الذات عندهم إلى درجة اعتقادهم أن الكون يدور من حولهم.

يمكن القول إن لعنة سنمار ما فتئت تلاحقنا منذ عصور، وهي قد تجلت بوضوح في عصرنا الراهن وأصبح لكل دويلة لنا ملك أو زعيم أو قائد، وجميعهم بمثابة (حجر سنمار) إذا انتزع سقط البنيان وتهاوى مثل قطع الدومينو.

ويبدو أن مخطط الشرق الأوسط الجديد يلحظ نزع جميع هذه الأحجار من مكانه وخصوصاً من يعتقد نفسه (حجر سنمار) في لعبة الأمم، كعصابة العثمانيين الجدد التي جاءت إلى الحكم نتيجة دعم خارجي لتنفيذ أوامر محددة، إلا أن اللحظة السورية جعلتهم يتمردون على أسيادهم لاعتقادهم أنهم قد يعيدون مجدهم الضائع. لأن القديم قد انهار، أو تفكّك، أو تذرّر، لكن الجديد لم يولد بعد، وهم أرادوا أن يكونوا بديلاً عنه، لاعتبارهم أن ما حدث هو ربيعهم الذي سيزهر ويثمر فواكه طازجة ستكون من نصيبهم، إلا أن الفوضى استشرت في بلادهم وعمّ العنف وتفشى الإرهاب في مدنهم، بل إن دولتهم الوطنية أصبحت عرضة للتمزّق والتآكل والتفتت، ولن يمر زمن طويل حنى يبدأ العبث بوحدتها وهيبتها ومرجعيتها.

العدد 1105 - 01/5/2024