المشاركة السياسية للمرأة العربية

أنكر معظم الفقهاء على المرأة العمل السياسي وتولي الخلافة، انطلاقاً من حديث آحاد رواه أبو بكرة يقول (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) والحديث حديث آحاد (رواه وحده) لايعتدّ به كثيراً، روي لأول مرة بمناسبة موقعة الجمل بعد وفاة النبي بأربعة وعشرين عاماً، وقد أوقع نساء المسلمين ببلاء ما زلن يعانين منه حتى الآن. وتمسك الفقهاء والحكام بهذا الحديث واعتبروه مرجعية صالحة لرفض مشاركة المرأة سياسياً في إدارة أي شأن من شؤون البلاد، مع أن عمر بن الخطاب عين امرأة محتسباً هي الشفاء بنت عبد الله العدوية القرشية، وكان المحتسب يقوم بالمهام التموينية وبشؤون الأسعار والصحة والغش ومخالفة القانون، فوظيفته حسب ابن خلدون هي (وظيفة دينية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنظر بالنظام العام والجنايات والفصل السريع والحازم بالأمور)، أي صلاحيات الحكومة كلها تقريباً، دون أن يثير هذا التعيين ممانعة أحد. تضمنت الدساتير العربية، أو ما في حكمها، جميعها تقريباً المساواة بين الرجل والمرأة، وعلى ذلك فمن المفروض أن تعترف الحكومات العربية (وهي المكلفة بتطبيق الدستور) بالمشاركة المتساوية للمرأة وبحقوقها السياسية، وبقيت هذه المساواة وذاك الاعتراف أمراً نظرياً، ولكن معظم البلدان العربية أقرت في الثلاثين عاماً الماضية، وبعضها قبل خمسين عاماً ونيف، بحق المرأة في الانتخاب ثم في الترشيح سواء للمجالس المحلية أم التشريعية، فقد أُقر القانون في سورية عام 1949 وفي لبنان 1952 وفي مصر 1956 وفي تونس 1957 وفي الجزائر 1962 وفي المغرب 1963 وفي الأردن 1974 وفي الكويت ،2005 ثم شاركت المرأة في الحكومة، وفي الانتساب للأحزاب السياسية وتأسيسها، وإقامة منظمات المجتمع المدني، ورغم هذا فإن التطبيق العملي لهذه القرارات والتشريعات بقي متواضعاً جداً، حتى صار وكأنه أمر شكلي وقبول رسمي لم يتم إسقاطه على الحياة العملية، ولم تشهد البلدان العربية، إلا مشاركة سياسية متواضعة في المجالس المحلية والتشريعية، أما في مجالات النشاطات الأخرى كالوظائف العليا والقضاء، أو في مراكز صنع القرار كبيرة كانت أم صغيرة والتكافؤ بالامتيازات، فما زالت هذه تكاد تكون غير مرئية. من جهة أخرى، ينبغي القول إن البلدان العربية أو معظمها تفاعلت في العقد الأخير بشكل إيجابي مع التطور العالمي لمشاركة المرأة في النشاط السياسي، وأدخل بعضها المرأة عضواً بالحكومة، كما تبوأت في بعض البلدان وظائف عليا، واتسعت مساهمتها في القضاء، ورغم أن ما تم من إجراءات هو إجراءات جزئية، إلا أنها بداية لطريق طويلة، مازالت المرأة العربية تسير فيها. لقد أعطت معظم البلدان العربية باستثناء بلدين حق الانتخاب للمرأة، ولاحقاً حق الترشح للمجالس المحلية والتشريعية، ولكن مع الأسف لم تشهد هذه الحقوق تطبيقاً واضحاً في الواقع، وإن ارتفعت مساهمة النساء في الانتخاب نسبياً في معظم البلدان العربية إلا أن نسبة مساهمتها بالترشيح لم تجد ارتفاعاً مماثلاً، كما بقيت نسبة الفائزات في المجالس المحلية والتشريعية ضئيلة جداً أو معدومة حسب البلدان وحسب قانون الانتخاب وأسلوبه، ولم يتجاوز متوسط هذه النسبة (قبل فرض الكوتا)10%، وهناك عدة أقطار عربية تخلو مجالسها النيابية أو (التشريعية) من النساء، ويأتي متوسط نسبة مشاركة المرأة العربية السياسية في ذيل نسب مشاركة دول العالم، فقد بلغت نسبة المشاركة هذه 38% في بلدان أوربا الشمالية، و5,15% في أمريكا الجنوبية و3,14% في آسيا، و5,13% في وسط أوربا وجنوبها، و5,11% في جنوب الصحراء الأفريقية. طُبق نظام الكوتا في عدة بلدان عربية، ففي جيبوتي قضى بتخصيص نسبة 10% للنساء، وفي مصر طُبق عام 1979 (حدد 30 مقعداً) ثم ألغي عام ،1982 كما طبق قي العراق (فخصص ربع أعضاء المجلس التشريعي للنساء) والأردن خصص (6 مقاعد) والمغرب (30 مقعداً) والسودان (35 مقعداً) وفي تونس خصص الدستور نصف عدد أعضاء المجلس للنساء. وقد عينت بعض الحكومات العربية وزيرات في حكوماتها يتراوح عددهن بين وزيرتين وثلاث، ولكن غالباً ما تكلف المرأة بوزارة غير سيادية، وتعطى لها وزارات الثقافة أو الشؤون الاجتماعية أو وزارة المرأة أو الأسرة (ضمت الحكومة الموريتانية وزيرة للخارجية مطلع هذا العام 2015). من أهم المعوقات أمام مشاركة المرأة في العمل السياسي صعود تيار الإسلام السياسي، الذي عجز فعلياً عن صياغة برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي متكامل لشؤون المرأة، وقد حاول وضع الأمر تحت خيمة الدين، وغالى في طرحه المحافظ والسلفي، حتى أنه ابتعد كثيراً جداً عن صحيح الإسلام وعن مصالح الناس ومقتضيات مرحلة التطور، متأثراً بآراء الفقهاء عبر التاريخ وأكداس الفقه غير الخاضعة للنقد والغربلة، فطالب هذا التيار، ليس فقط بحرمان المرأة من حقوقها عامة، الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومنعها من حقها في العمل والنشاط والإبداع، والحراك السياسي ومشاركة الرجل في تطوير المجتمع، وإنما أيضاً طالب بإعادتها إلى ظروف وقيم وتقاليد عصر الحريم، ومنع عليها واقعياً كل نشاط بما في ذلك الخروج من البيت، وكان تيار الإسلام السياسي هو المحرض والعامل الأساس على حجب حقوق المرأة، وعدم مشاركتها في الحياة السياسية. ومن المعوقات الأخرى لمشاركة المرأة في النشاط السياسي طبيعة الثقافة الشعبية العربية السائدة بما فيها من عادات وتقاليد، ذلك أنه نتيجة خضوع المجتمعات للتقاليد والعادات مئات السنين، وبسبب ترسخ مفهوم دونية المرأة وسيادة ثقافة بيت الحريم، أصبحت المرأة وحقوقها ودورها غائبة عن وعي الرجل العربي وتفكيره، وقد سادت القيم التي تقول إن المرأة (ضلع ناقص) وإنها قاصر و(حرمة)، ولاشأن لها بالقرار العام سياسياً كان أم اقتصادياً أم اجتماعياً، وإن البقاء في بيتها خير لها، وكان من المعوقات قبول المجتمع بالمرجعيات المتخلفة كالمذهبية والإقليمية ومايشبهها وعمله بها، بل وإعطائها الأولوية، فتدخلت هذه المرجعيات في رسم القيم العامة والأخلاق العامة للمجتمع، وأكثر ما استقوت عليه هو المرأة، ليس فقط فيما يتعلق بمشاركتها السياسية أو مشاركتها في اتخاذ القرار، وإنما طاولت أيضاً مساواتها وحصولها على حقوقها، إضافة إلى تحجيم هذه الحقوق في مجالات الزواج والطلاق والوصاية والحضانة والإرث وغيرها، ومادامت مشاركة الرجال في النشاط السياسي في البلدان العربية تعتمد على اختيار وموافقة العشيرة أوالطائفة، فحري أن تكون مشاركة النساء في النشاط السياسي مرهونة لهذه الجهات. هناك معوق آخر في البلدان العربية كلها، أو معظمها، وهو أن التشريعات والحقوق المدنية بشكل عام، ليست في صالح المرأة ولا تساوي بينها وبين الرجل دائماً، وخاصة قوانين الأحوال الشخصية بمختلف مضامينها، وتصر على اعتماد ولاية الرجل وعدم استقلالية المرأة ورفض حقوقها في الطلاق والإرث والنشاط الاجتماعي وغيرها، يضاف إلى المعوقات السابقة، عدم استقلال المرأة الاقتصادي في أغلب الأحوال، مما يضطرها، إذا أرادت المشاركة السياسية، أن تعتمد على الرجل للنجاح في هذه الطريق، كما أن تدني المستوى الاقتصادي للأسرة، وهو الشائع في البلدان العربية، يشكل عائقاً جدياً في طريق سلوك المشاركة السياسية، ويتضافر غالباً مع الأمية والجهل والتخلف الثقافي، حيث تدفع المرأة الضريبة الرئيسة لهذه الأمراض. من البديهي أنه لابد من إعادة النظر بالقيم والعادات والتقاليد والقوانين، وطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة وبين المرأة والمجتمع، للوصول إلى مساواة حقيقية، ليس فقط بالقول وإنما في الواقع العملي والممارسة، وليس فقط في مجال تحقيق مشاركة المرأة السياسية، بل أيضاً في تحقيق مشاركتها في كل مجال، أعني المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.

العدد 1105 - 01/5/2024