وجه شيوعي آخر يغيب!

عرفته منذ أكثر من25 عاماً، وبالتحديد أيام المؤتمر السادس، الذي كان أيضاً مؤتمراً توحيدياً، وكان من المشجعين الأوائل لفكرته، ورغم أننا كنا متباعدين حزبياً منذ الستينيات، قبل ذلك التوحيد بكثير، فقد كان محاوراً جيداً، ومنفتحاً على الآخر، وكان النقاش معه يجري بسلاسة ويسير، وما كنا نسمح لأنفسنا بأن ندخل دون أن نخرج منه بنتائج إيجابية.

كان الرفيق المرحوم شلال العمر مثالاً للانضباط الحزبي الصارم، وللشخصية الشيوعية التي تلتزم بالمهمة الحزبية دون تململ، وإنني أتذكر تماماً أن الرفيق المرحوم رأفت الكردي كان رئيساً للجنة الرقابة الحزبية في عام 1987 وكنت أنا والرفيق المرحوم شلال من أعضاء في هذه اللجنة، وعندما حل موعد الاجتماع الذي كان دورياً آنذاك، كان الرفيق شلال أول من حضر الاجتماع، وكان قادماً من الحسكة، دون أن يعلم أن الاجتماع قد تأجل، بالتشاور بين الرفيق رئيس اللجنة وبعض أعضائها، لظروف طارئة تستدعي التأجيل، وقد فوجئنا وأصبنا بإحراج أدبي مخجل أمامه، لأن التبليغ بتأجيل الاجتماع لم يكن قد وصله بعد، وقد اعتذرنا له كثيراً عن هذا الموقف الصعب الذي وُضعنا فيه، فما كان من الرفيق شلال إلا أن تقبّل هذه المفارقة برحابة صدر وبابتسامة وادعة، وقال: إن هذا يحصل في الحياة، ما دامت (القلوب على بعضها).

وقد طلبنا منه، بإلحاح شديد، المبيت في دمشق على أن يغادر في اليوم التالي، لكنه اعتذر بشدة، وأصر على أن يعود إلى الحسكة، في اليوم نفسه، أي بعد وصوله منها بساعات محدودات، قائلاً إنه لا يريد أن يثقل على الرفاق بأعباء تأمين منامة له، ولما قلنا له إن منازلنا كما قلوبنا مفتوحة لك، ابتسم وقال: (إن حقي وصلني، ولست منزعجاً من المجيء من الحسكة (900كم) والعودة إليها في اليوم نفسه، وسأعود إلى دمشق فور تحديدكم للموعد الجديد).

وانصرف وودعنا بكل حرارة وسط احترامنا الشديد له واعتذاراتنا التي لم تتوقف.

كان قلبه على سورية طيلة فترة الأزمة، وكان يتألم ويوصي بالحرص على سلامتها ووحدتها وعلى روح التعايش السائدة فيها.. أسف كثيراً لأن معاناته الصحية، رغم ما قدمه، حالت دون أن يقدم أكثر للحزب والوطن.

ولكن، نم قرير العين يا شلال.. فأولادك من بعدك ورفاقك في منظمة الحسكة وفي كل سورية، يقومون بكل ما ينبغي للحفاظ على الوطن السوري موحداً حراً كريماً.

 

حنين نمر

الأمين العام للحزب

العدد 1104 - 24/4/2024