البارود.. الذي يتفجر أسفاً وحباً

 تعال إلي يا من عشت معي، تعال إلى دموعي التي تحرقني كحرقة الملح إن طال الجرح، تعال لنردم بركان الحقد الذي يلتهم حياتنا منذ أكثر من خمسة أعوام كالتهام الأسى لقلوبنا..مدّ يدك فصافح يد أخيك المتورط بمشاعر لم يخبرها من قبل، مشاعر التحريض والكراهية التي لوّنت أيامه وكستها سواداً.. ولنتضرّعْ معاً لانقشاع سحاب الفتن وزوال البغضاء من القلوب البيضاء التي هي طاهرة مطهّرة كماء هطل للتو من السماوات العليا!

اترك بندقيتك ولو قليلاً وأنصت لصدى صوتي الذي يدعوك أن تحلّ الدعاء محلّ البارود.. والياسمين محلّ الرصاص.. والحب والتسامح محلّ الهاون! لكأنني في لحظات تحكيم العقل أسمع حنينك لأخيك، ورفضك لمجاهرته العداء والقتال.. ونكرانك لكل المارقين.. وأحفاد قتلة الأنبياء.. والمتورطين بدمائنا حتى النخاع من الدول الكبرى وأصحاب بدعة الرايات السوداء ذوي القلوب السوداء، والذين ساهموا في ما آلت اليه حالنا من اقتتال وتورط في الكراهية بدل استثمار طاقة الحب داخلنا لإعمار أرضنا التي نحب ونعشق.. قل لي أرجوك ماذا جنينا من كل هذا الخراب الذي ورّطنا به أعداؤنا؟؟ ما الفائدة المرجوّة من الحرب إلا الدمار وبحار الدماء؟!

إننا في زمن النار وزمن القتل وزمن الهول وزمن الأم التي تنسى رضيعها، والأب الذي لا يعرف أين قبور أولاده، فمعظمهم شهداء و مفقودون أو أشلاء بلا قرار.. في هذا الزمن، توارى الضوء وصعقتنا الظلمة التي وصلت حدّ الروح فشوّهتها..حتى شقاؤنا صار في خطر.. لقد تسبّب اقتتالنا في زيادة الشقاء وزيادة الألم، حتى الموت لم يسلم من نزاعاتنا.. إنه ليبدو ملطخاً مشوّهاً مدموغاً بختم التفنن في أشكاله المتعددة.. ألا ترى يا أخي كيف نحن متداخلان كالجذر والتراب؟

لنترك السلاح جانباً فلغة الحوار هي لغة الله، والله يرتاح في عقولنا، ولنرفض تحكيم أهوائنا!.. تسجد الملائكة لصلحنا.. وتخرج الشياطين من جحيمها تطلب الغفران من الله بعد أن ترى نفحات سماح قلوبنا..ستهلّل أرواح الشهداء ومظلومي حربنا هذه.. وسيمنحوننا غفرانهم عن دمائهم، فالمهمّ هو أن لا يذهب الدم هدراً.. وصلحنا هو الثأر من كل من سبّب اشتعال النيران في وطننا..سنترك السلاح لأنه لا يجدي مع لغة أرواحنا وقلوبنا، فنحن عشاق للوطن وللأخ وللتراب.. والعاشق يهدي ورداً وعطراً وقصائد حبّ، لا باروداً وكرهاً ودماراً!

سنطرد الغرباء لأن أمثالهم يجب أن يكونوا في جحورهم حيث الحقد والصحراء والدولار.. سنعيدهم إلى منازلهم وجحورهم فهي تليق بهم.. وسنجلس على طاولة لغسل أحقادنا، ونتفاهم على مستقبل ديمقراطي يليق بسورية أم الحضارات والآلهة، مستقبل ينسينا كل ما اختلفنا عليه والخلاف لا يفسد للود قضية، فكيف إن كان الوطن هو تلك القضية.. سنرسم مستقبل أطفالنا ونعالج نفوسهم المسكينة التي هزّتها رياح الحرب.. سنعيد إعمار قلوبنا وأرواحنا، ثم نلتفت إلى مساكننا فنرمم مدننا وننثر العطر في شوارعنا… والياسمين في مدارس أولادنا..سنتقاسم رغيفنا إلى أن تعود أراضينا الخصبة تدرّ علينا قمحها، وسنصبر إلى أن تعود مصانعنا فتدار آلاتها بعد غياب.. وتعود الشام وبضاعة الشام وخاصة بضاعة حلب الوجدان فتغزو أسواقنا وتكسو أجسادنا وأجساد أطفالنا بثياب محيكة بأياد وطنية كما الزمن القديم.

العدد 1105 - 01/5/2024