النسخة ال104 من نوبل للآداب.. للصيني مويان عن روايته «ضفدع»

فاز الروائي الصيني (مو يان) في نهاية الأسبوع الماضي (يوم الخميس 11 تشرين الأول الجاري) بجائزة (نوبل للآداب) للعام الحالي عن روايته (ضفدع) (frog)، التي نشرت عام 2009. الرواية تناقش الفروق في التقاليد الصينية بين البنات والأولاد. وتكمن فكرة الرواية في قدرة الأولاد على الكسب والعمل أكثر من البنات، وهو ما يدفع الكثير من العائلات الصينية إلى الإجهاض عند معرفة جنس الجنين في حال كان أنثى حتى يومنا هذا. وتحكي الرواية قصة سيدة صينية تعيش في إحدى المناطق النائية بالصين، وتتناول تجربتها في الإجهاض.

وقد ورد في بيان (لجنة جائزة نوبل للآداب) تنويه بأن عالم (يان) الروائي هو مزيج من الواقع والخيال، له سمات اجتماعية وتاريخية، وهو في ثرائه وتعقيده يُذكِّر بعوالم (فولكنر وماركيز). وأضاف البيان أن أعمال (يان): (تجمع بين التراث الفلكلوري والتاريخ والمعاصرة بأسلوب واقعي يتسم بالهلوسة). وأن (روايته: أنشودة الثوم الفردوسي (1988) والكتاب الساخر: بلد الكحول (1992) اعتبرا هدّامين (في الصين) بسبب انتقادهما اللاذع للمجتمع الصيني المعاصر).

ويطلق بعض النقاد على (مو يان) لقب (فولكنر الصين) وبعضهم يرى أن عوالمه تذكِّر بعوالم (ماركيز) الغرائبية. ذلك أن ملامح عالم (يان) الروائي تجمع بين عناصر متعددة في المعادلة السحرية ل (الواقع) الذي يفترض في الأدب الروائي أن يعكسه. وقد حاولت نظريات أدبية كثيرة التعاطي مع إشكالية هذا (الواقع) الروائي، دون أن تتمكن إحداها من التوصل إلى جواب نهائي: هل يجب أن يكون الواقع الروائي انعكاساً مباشراً لواقع الحياة؟ أم هو (تلاعب جمالي) أو (أيديولوجي) أو (أخلاقي) أو (تنويري) به لأغراض تتباين حسب المدرسة التي يتبعها الروائي؟

وهل عناصر عالم الرواية هي (واقعية محضة) أم (خيالية محضة) أم مزيج من الاثنين؟ وهل هناك سمات مشتركة بين أدب (نجيب محفوظ)، الذي فسر مفهوم (الواقعية) بحرفية في معظم رواياته، وأدب الروائي الكولومبي الحائز على جائزة (نوبل) غابرييل غارسيا ماركيز الذي دمج الواقع بالخيال على نحو يبدو لأول وهلة اعتباطياً ليأتي بتوليفة اصطلح على تسميتها (الواقعية السحرية)؟ وماذا عن وليام فولكنر الذي يؤسس الخيال على الواقع؟

أسئلة كثيرة تطرحها عوالم (يان) الروائية المطبوعة بواقعية قد تصل إلى حد العنف، وتتناول كل التغيرات المفاجئة التي مرت بها الصين قبل الحقبة الشيوعية وخلال الاجتياح الياباني والثورة الثقافية وفترات أخرى مضطربة في ظل النظام الشيوعي.

 

(لا تتكلم) .. عالم روائي غرائبي

ولد (مو يان)  في 17 شباط (فبراير) ،1955 في بلدة (غاومي) في إقليم (شاندونغ) شمال غربي الصين لأسرة من المزارعين. وترك المدرسة في الثورة الثقافية للعمل في مصنع لإنتاج للنفط. وقد انضم إلى جيش التحرير الشعبي (الجناح العسكري للحزب الشيوعي الصيني)، وبدأ الكتابة عام 1981 وهو ما زال جندياً في الجيش. وبعد ذلك بثلاثة أعوام، بدأ (يان) التدريس في قسم الأدب في الأكاديمية الثقافية التابعة للجيش.

و(مو يان) هو اسم مستعار للكاتب، واسمه الحقيقي هو (غوان مويي) والترجمة الحرفية لاسمه المستعار هي (لا تتكلم)، في إشارة إلى أنه، وهو الذي يرغب في رفع صوته إلى درجة ربما تتجاوز المسموح به في بلد لا يرحب بالنقد، يذكر نفسه بضرورة وضع حد لذلك، ربما على سبيل السخرية. ولكن، بما أنه يدرك أن الكاتب لا يستطيع إلا أن يتحدث، فقد اختار العالم الغرائبي الذي يوصل من خلاله الفكرة دون أن يتعرض للواقع بشكل مباشر، وهو أسلوب اعتمده رفاق له في بلدان أوربا الشرقية لتفادي الصدام مع الرقيب في سنوات الرقابة على الإبداع والفنون.

وقد اختار (مو يان) هذا الاسم المستعار بمناسبة صدور أول رواية له (الفجلة البلورية)  (1986) حول طفل يرفض الكلام ويروي الحياة الريفية كما عاشها الكاتب في طفولته.

 

فلسفة (النقد دون مواجهة)

تناقلت المواقع الإخبارية الإلكترونية أن نبأ فوز (يان) بالجائزة أحدث دهشة وتبايناً في ردود الأفعال في الأوساط الأدبية والشعبية الصينية، إضافة إلى حالة الفضول والتساؤل التي سببها الإعلان عن فوز هذا الكاتب والروائي الصيني، البالغ من العمر 57 عاماً، والذي يوصف بالمغمور، ويُعد الأقل شهرة وحضوراً في الصين، والأقل حظاً في سوق الكتب والمكانة والسمعة بين نظرائه، خاصة مع وجود أسماء أكبر وأشهر في المجال الأدبي والروائي داخل الصين، ما جعل العامة والخاصة يبحثون عن الأسباب الحقيقية لاختيار الأكاديمية السويدية للصيني (مو يان) بالذات.

ويأخذ بعض المثقفين الصينيين الذين اختاروا أسلوب المواجهة المباشرة مع النظام على (يان) أنه مثقف (سلبي) ولا يقف إلى جانب رفاقه من الكتاب الذين يتعرضون للعقوبات. كما انتقده كتاب صينيون آخرون لقربه المفترض من النظام في بكين، وعدم دعمه للكتاب المنشقين.

أما (يان) فيبرر مواقفه بأنه تبنى فلسفة مغايرة، قائمة على النقد دون مواجهة، من خلال استخدام شخصياته وعوالمه الروائية، وهو بذلك يوصل رسالة دون أن يجد نفسه في معركة مباشرة مع النظام قد تقيد قلمه.

من رواياته الأخرى التي اشتهرت عالمياً (جمهورية النبيذ)، و(الحياة والموت ينهكاني)، التي تؤرخ للحياة الصينية من زمن الثورة الزراعية إلى زمن السيارات الفارهة. ومن رواياته الأخرى التي أثارت جدلاً في المجتمع الصيني بسبب محتواها الجنسي رواية (أثداء كبيرة وأوراك عريضة).

ويعد (يان) من الكتّاب الغزيري الإنتاج، فقد كتب إحدى رواياته واسمها (الحياة والموت أضنياني) في 43 يوماً فقط.

وقد اشتهر في الغرب بفضل فيلم (الذرة البيضاء الحمراء) (1987) المقتبس عن روايته التي تحمل عنوان (عشيرة الذرة البيضاء). وقد فاز الفيلم (الذي أخرجه زانغ ييمو)، بجائزة (الدب الذهبي) في مهرجان برلين عام 1988. ويشكل كتاب (فينغرو فيتون) (1996) ملحمة تاريخية تصف الصين في القرن العشرين انطلاقاً من قصة عائلة، وتراوح بين مأساة التاريخ ورؤى إباحية من خلال مراقبة شخصيات بلدة لا يتمتعون جميعاً بالاتزان الكافي، ومن بينهم طفل ولد من مزارعة صينية وقس سويدي.

و(يان) هو ثاني كاتب صيني يفوز بهذه الجائزة العريقة. فقد منح (جاو سينجيان) الجائزة عام ،2000 و(جاو) كاتب صيني منشق، حصل على الجنسية الفرنسية عام 1997 ، إلا أن الصحافة الصينية تكتمت على هذا النبأ حينذاك..

وكان قد رشح لهذه الجائزة هذا العام، إضافة إلى (مو يان)، كل من: الشاعر والمغني الأمريكي (بوب ديلان)، وكاتبة القصة القصيرة الكندية (أليس مونرو)، والكاتب الأمريكي (فيليب روث)، وكاتب القصة القصيرة الأيرلندي (ويليام تريفور)، والكاتب الهولندي (سيز نوتيبوم)، والروائي التشيكي (ميلان كونديرا)، والروائي الألباني (إسماعيل كاداريه)، والياباني (هاروكي موراكامي). وكان كل من (ديلان) و(موراكامي) من المرشحين لنيل الجائزة في العام الماضي، ولكنها ذهبت إلى الأديب السويدي (توماس تراسترومر).

وفي هذا العام أيضاً كان اسم الشاعر السوري (أدونيس) بين الأسماء المتداولة، ومرة أخرى خيبت (لجنة نوبل) آمال محبي شعره في الوطن العربي والعالم.

وكان (يان) قد فاز مؤخرًا بجائزة (ماو دان) الأدبية في الصين، وهو دليل على الانفتاح الحاصل في الصين لمناقشة الأفكار والمواضيع التي يطرحها في أعماله الأدبية، والتي لا تزال من (التابوهات) في الصين، كالجنس والسلطة والسياسة. ولئن عرف (مو يان) شهرة كبيرة في الصين والغرب، فهو مجهول عربياً، ولم يترجم له إلى العربية أي كتاب.

العدد 1105 - 01/5/2024