إلغاء العنف ضدّ المرأة يحتاج إلى ثورة فكرية متكاملة

إذا أردنا الحديث عن العنف في مجتمعاتنا، وبالتحديد عن تعرض المرأة للعنف، فلا بدَّ أن نُميّز بين حالتين لدى الرجال، الرجل غير السوي الذي يُعاني مرضاً نفسياً أو اضطرابات نفسية، ونترك مثل هذه الحالة للأطباء النفسيين كي يتحدثوا عنها، والحالة الثانية الرجل السليم نفسياً لكن الذي لديه مفاهيم وتصورات خاطئة عن المرأة، وقد نشأ في بيئة جعلت فكرة استخدام العنف ضدّ المرأة مسألة مقبولة، لا بل قد يراها واجباً في بعض الأحيان.

لعلنا بداية يجب أن نطالب بزيادة اهتمام الدولة بمكافحة الأمراض النفسية، وليس فقط توزيع لقاحات للأطفال وجرف الأنقاض من الشوارع، ذلك أن المرض النفسي أمر خطير لأنه يؤذي صاحبه ومن حوله، والدول المتقدمة عادة تُنفق مبالغ هائلة كي تعيد تأهيل المواطنين نفسياً بعد أن يخوضوا ظروفاً شاذة جراء الحروب، ونحن نطالب الدولة على الأقل أن تقدم الرعاية الطبية على الصعيد النفسي للمقاتلين الذين يواجهون أعتى وحوش البشرية المتمثلة بتنظيمات إرهابية ممولة دولياً ويشهدون مجازرها.

وبالانتقال للحديث عن الرجال الذين يمارسون العنف كجزء من علاقة المرأة بالرجل على اعتبار أن المرأة كائن صغير العقل واندفاعي، وبالتالي قد يُخشى انحرافه ويجب تقويمه وإعادته إلى المسار بكل السبل، فلعلّ هذه الفكرة مصدرها أن الرجل اعتاد عبر العصور أن يتعامل مع المرأة كشيء وليس كإنسان، فقبل الإسلام كانت المرأة توُرّث مع الأشياء، كما كانت أداة ترفيه لا يميّزها عمّا سواها، سوى أنها أداة ترفيه حيّة. وإن عدنا في الزمن أكثر إلى الوراء نجد أن معظم الأديان انتقصت من شأن المرأة، وقيَّمتها بناءً على أدائها في كونها عنصراً مسانداً للرجل وللأسرة،
وليس بناءً على سلوكها ككيان مستقل، فالديانة اليهودية كانت تعاقب الرجل إن أخطأ بطلاق زوجته، أي أن هناك مجموعة من الأمور المُحرّمة إن أقدم الرجل على القيام بإحداها تصبح زوجته ومن دون ذنبٍ ارتكبته طالقاً.. وهذا ساهم في تكريس فكرة أن المرأة شيء جميل يحوزه الرجل وإن أذنب فسيُحرم منه عقاباً على ذنوبه..
وبمجرد أن ينظر الرجل إلى المرأة كشيء في حرزه، فلن يتوانى عن ضربها وممارسة كل أشكال العنف ضدها.. وفي حالة أخرى يعتبر الأب أو الأخ نفسه شرطياً يحرس قنبلة موقوتة اسمها المرأة في بيته، فهي في نظره كائن ضعيف العقل وشهواني بما يفوق الرجل، وبالتالي قد تنحرف وتجلب له العار والنبذ الاجتماعي، لذلك يُلوّح باستخدام العنف، بل ويستخدم العنف حتى لمجرد اشتباهه بأن إحدى النساء من أهله على احتكاك برجل غريب. وبالتالي نحن في حاجة إلى ثورة فكرية تدحض الموروث الهائل من العادات والأعراف المتراكمة في منطقتنا، والذي يجعل نظرة الرجل إلى المرأة نظرة دونية لا إنسانية.
وعلى المرأة أيضاً أن تثبت من جهتها في المراحل الأولى من تحررها أنها تتمتع بالوعي والمسؤولية بحيث تراعي فكرة أن لا تجلب (العار) لأسرتها عبر مغامرات عشقية مُحرّمة ريثما تتغير المنظومة الفكرية وتندثر فكرة أن المرأة يمكن أن تكون مصدر العار الاجتماعي الأكبر.

وأود أن أشير إلى أن هناك فوارق في التكوين بين المرأة والرجل لا مجال لذكرها في هذه العجالة، على المرأة أن تطلع عليها وتدركها وتراعيها، ومنها أن اهتمامات الرجل ونظرته إلى مسائل الحياة مختلفة عنها، ومنها مثلاً أن المرأة تتحدث أضعاف الرجل وتحب الثرثرة والرجال لا يحبون (النق والثرثرة) وتشكل بالنسبة لهم ضغطاً نفسياً، لذا يمكن أن تتفادى المرأة في منزلها عدة أمور تمارسها قد تجلب لها الأذى من رجل عنيف بطبعه. 

العدد 1105 - 01/5/2024