…..ملاحظات في حراك الفئات الاجتماعية الطبقية

على أبواب المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد  

الطبقة مكوّن اجتماعي من أفراد وعائلات وجماعات أساسه اقتصادي، ويتحدد موقعها من مستوى ملكيتها وعلاقاتها بوسائل الإنتاج، وتعمل لمصالحها الطبقية في مواجهة الطبقات الأخرى التي يتكون منها المجتمع في كل مرحلة من تطوره. ولذلك يغدو من الضروري البحث في التكوين الطبقي للمجتمع المعني والتحولات التي تحدث على مواقع طبقاته، والتغيرات التي تتناول طبيعة فئاتها الاجتماعية وأسبابها، وبالتالي القوى الأساسية المعبرة عنها.

 فالتطورات العلمية التقنية في وسائل الإنتاج والاعتماد على الطاقة البشرية المؤهلة ذات المهارات العالية أغنيا الطبقة العاملة بفئات وكوادر علمية تمتلك خبرات معرفية وإدارية هامة، وعززا مكانتها في مسار التقدم الاجتماعي. ومن جهة ثانية فإن معظم عمال الخدمات والمصانع جاؤوا من الريف المحيط بالمدن، حيث شيدت تلك المصانع، واكتظت بهم العشوائيات السكنية، وحمل هؤلاء بعض خصائص الريف الفلاحي وانتماءاته ما قبل المدينية التي تشوه وضوح الوعي الطبقي. وأدى هذا الانتقال إلى قلة العاملين في الزراعة وتبوير مساحات من الأراضي. فاقتنص أصحاب الأموال الفرصة لشراء الأراضي من فقراء الفلاحين في الريف.

 إن أبناء الفئات الشعبية في الريف والمدينة الذين وصلوا إلى السلطة في النصف الثاني من القرن العشرين لم يكن اهتمامهم ينصرف أول الأمر إلى الثراء الشخصي، فرفعوا شعارات الحرية والمساواة، والقضاء على الإقطاع والاستعمار، وبناء الاشتراكية، ولكن لما اشتد عود النظام وتكوينه الشمولي ظهرت لدى فئات من أبناء الأجيال التالية آفة الجشع وتكديس الأموال والثروات، وتملّك العقارات ووسائل الرفاه، وسلوك الطرق المؤدية إليها بمختلف الوسائل، حتى على حساب القيم المجتمعية في الأوساط التي انحدروا منها. وشرّعت للفساد منافذ وأبواب مدعومة بسطوة السلطة، وجرى استغلال المال العام على حساب مصلحة الوطن وزيادة فقر الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب من العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود والشريف، وتحول المنصب الحزبي أو الحكومي أو الأمني لدى الكثيرين مصدراً للجاه والسلطة. لذلك تهافت كثيرون عليه، يسعون إليه بشتى السبل والوسائل، ووصل إليه في كثير من الأحيان أناس يفتقدون الكفاءة والمعرفة، ولكنهم يكثرون من إعلان الولاء، وبلغ التملق والتزلف حدوداً تثير الاشمئزاز، وترفّع أكثرية الناس عن ذلك ولم يفصحوا عما يضمرون.

 وبسبب غياب الديمقراطية والمحاسبة، وانتشار الفساد، نمت رأسمالية طفيلية مهيمنة، راكمت ثرواتها من نهب المال العام، متعاونة مع أصحاب النفوذ في بعض المراكز الحكومية، واستثمرت أموالها في قطاعات ربحية تجارية أو خدمية أو السمسرة، وتسعى لتشريع القوانين التي تخدمها، وتعميم منظومتها السلوكية من النفاق والرياء والانتهاز وتجاوز القانون والتهرب الضريبي، وعقليتها الاستهلاكية الباذخة الاستفزازية لجماهير الشعب التي تكابد شظف العيش، ويزداد شعورها بالغبن الذي يولد الاستياء من جهة، والإحباط واليأس من جهة ثانية.

ونتيجة السياسات الاقتصادية ذات الاتجاهات الليبرالية الجديدة، واعتماد نمط اقتصاد السوق الحر منذ الخطة الخمسية العاشرة، وتحجيم دور الدولة الاقتصادي والرعائي والإنمائي تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتراجعت شبكة الضمان الاجتماعي، وازدادت الهوة بين الأغنياء والفقراء، وخسر الناس كثيراً من المكاسب التي حققوها بالنضال والتضحيات، وازدادت حدة الفقر، وارتفعت نسب البطالة، وارتفعت الأسعار، وانخفضت القدرة الشرائية لمداخيل أكثرية الشعب. وبسبب استمرار هذه السياسات على مدى سنوات الأزمة، وما رافقها من عقوبات خارجية مفروضة وجائرة، ووقف مشاريع التنمية، وخروج كثير من موارد البلاد الزراعية والمعدنية والصناعية من دائرة الإنتاج، بسبب أعمال التخريب والأعمال القتالية وانعدام الأمن في مساحات واسعة من البلاد، فقد أرخى كلّ ذلك بآثاره المدمرة على البشر والإنتاج والعمران، وفقدان المسكن وسبل العيش، فارتفع معدل البطالة إلى 60% ودخل 75% من السكان في دائرة الفقر منهم 45% في فقر مدقع، وتقلصت فرص كثيرة بل وشبه انعدمت أمام مئات الآلاف من الشباب وخريجي المعاهد والجامعات الجدد سنوياً، فراح كثيرون يبحثون عنها بالهجرة إلى البلدان الأخرى وما يترتب على ذلك من خسارة الوطن لطاقاتهم، ومن آثار نفسية واجتماعية، ومعاناة صعوبات العيش لمن بقي منهم في داخل الوطن بانتظار الفرج.

 لقد انقسم المجتمع السوري إلى عالمين اثنين: عالم الأغنياء الذين انضم إليهم المالكون الجدد جمّاعو الثروة، وعالم المنتجين غير المالكين، وانهارت الفئات الوسطى.

 لقد ارتبط نشوء الطبقة الوسطى بمشاريع الدولة التنموية الحديثة، وتهيأت شرعية رحبة لدورها، ذلك أنها تضم فئات مثقفة وقادرة على صياغة التوجهات السياسية والفكرية. ولكن لما ترسخت شمولية الدولة، وطدت الأخيرة تحالفاتها مع الطبقات الثرية الجديدة والفئات الطفيلية، وتحولت عن دعم الفئات الدنيا والوسطى، فتشظت الطبقة الوسطى تحت رحى الاستقطاب الطبقي، وتحولت أكثريتها إلى جانب فقراء البلاد، وفقدت ملامحها المميزة، وتراجع دورها الريادي في طرح مشاريع الإصلاح والتطوير. ويمكن لفئاتها المتنوعة أن تقوم بدور هام في تطور البلاد، إذا وثّقت تلاحمها مع الطبقات الفقيرة والمنتجة ووقفت إلى جانب برامج التيار اليساري في سبيل التقدم والعدالة الاجتماعية.

 لقد اتسعت في بلادنا القاعدة الاجتماعية التي تعاني الظلم والاستغلال وتنوعت فئاتها، وتتواءم مصالحها مع التغيير باتجاه العدالة الاجتماعية، وترفد طاقات الطبقة العاملة المنظمة التي لها دور أساسي ومصلحة عميقة في هذا التغيير الذي تنشده مجمل الفئات المهشمة في المجتمع. ويستلزم ذلك وجود نقابات قوية تقوم بدورها في الدفاع النشط عن مصالح الأسر العمالية الشعبية، وقادرة على المشاركة الفاعلة في رسم السياسات الاقتصادية الاجتماعية، وصياغة القرار الاقتصادي بالتكاتف مع القوى السياسية اليسارية، وتبلور رؤى واضحة للتنمية والتقدم تنصف أكثرية الشعب من القوى العاملة والمنتجة.

العدد 1105 - 01/5/2024