في صدّ للأوليغاركية المالية الأوربية الجماهير اليونانية صوتت: «لا» للتقشف

بنسبة تصويت 61 في المئة مقابل 39 في المئة أنتجت الجماهير اليونانية صدّاً مدوياً ونكسة سياسية لمصرفيي أوربا ومن ضمنهم الطبقة الحاكمة اليونانية. جاءت نتائج التصويت ب (لا) لتعبر عن رفض اليونانيين لشروط المقرضين الدوليين، وفي الوقت ذاته لدعم حكومتهم وموقفها في المحادثات المقبلة مع الجهات الدائنة، ولتحقيق شعار (العيش بكرامة في أوربا).  (وضاح عيسى، أزمة اليونان إلى أين؟ (تشرين) في 8 تموز).

استخدم الشعب اليوناني الاستفتاء الذي دعت إليه حكومة سيريزا في 5 تموز كي يقول لقيادة ألكسيس تسيبراس أن تعود إلى بروكسل وتقاوم التقشف. وبقي السؤال هل سيفعل تسيبراس ذلك أم سيقدم تنازلات بلا مسوغ كما فعل في الماضي. ولكن التصويت أرسل موجات صادمة عبر مكاتب النهّا بين الماليين في فرانكفورت وباريس وبروكسل ودوما ومدريد وليشبونه وأمستردام وغيرها في أوربا. يخشى ابتزازيو الترويكا  صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الأوربي واللجنة الأوربية  أن تنتشر روح ال (لا) اليونانية إلى أسبانيا والبرتغال وإيطاليا وغيرها من البلدان، إلى جميع الشعوب الضحية التي عانت من برامج التقشف القاسية المفروضة من قبل الدائنين أنفسهم والتي جرى تحديها في تصويت 5 تموز.

ومهما حدث في المفاوضات المقبلة بين حكومة سيريزا والقوى الأوربية، فإن المصرفيين يخشون أن جنّيّ المقاومة قد خرج من القمقم ولن يتمكنوا من إعادته إليه.

(سأتسلق من قبري لأصوت ب (لا)

ساد رأي جماهيري بالوقوف ضد التقشف، مهما كان الثمن، وقد سجلت صحيفة (نيويورك تايمز) هذه الروح في 4 تموز كما يلي:

قال السيد سمايليس، وهو صاحب متجر ملابس قوضت الأزمة أعماله: (أقول لأولئك الذين يريدون التصويت ب (نعم) يوم الأحد، نظراً لكرامة اليونان، إننا نرفض ذلك ونحارب دائنينا من أجل نتيجة عادلة، لو كنت ميتاً فسأتسلق من قبري لأصوت ب (لا).

أعطت التهديدات المتغطرسة والتخريب الاقتصادي والتدخل السافر في الاستفتاء اليوناني من قبل المصرفيين الأوربيين، ومن ضمنهم المصرفيون اليونانيون،  عكس النتائج المرجوة.

لقد استخفوا بروح المقاومة في اليونان، وكانت هذه الروح قد برزت في تاريخ الشعب من مقاومة الإمبراطورية التركية إلى الإمبراطورية البريطانية إلى غزوات الفاشي موسوليني وجيوش هتلر النازية إلى العقداء الفاشيين اليونانيين. أعلنت الترويكا حرباً اقتصادية على اليونان، وبدلاً من ألوية الجيش أرسلت جباة الدين من فرانكفورت وبروكسل لإخضاع الطبقة العاملة وجماهير الشعب، وقفت الجماهير وردت: (لا) لا يمكن إجبارنا على الانحناء أمام تهديدات أنجيلا ميركل وبقية السفاحين الماليين).

المقاومة الجماهيرية والنصر البرلماني

يبنغي أن يكون واضحاً أن النصر في الاستفتاء مجرد نصر برلماني، ومن أجل تعزيز ودفع المكاسب المرجوة من التصويت ب (لا) سيكون من الضروري العمل على الأرض ضد المصالح المباشرة للطبقة الحاكمة الرأسمالية، إن الحماسة والطاقة التي ظهرت عند التصويت أولدى احتشاد عشرات الألوف الذين خرجوا من أجل (لا) يجب أن تعبأ في الشوارع المعامل والجامعات والأحياء والضواحي، وإلا فإن المكاسب المتوقعة قد لا تتحقق على الإطلاق، أو أسوأ من ذلك.

اتخذت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خطاً متشدداً بشأن المفاوضات المقبلة، والتقى ألكسيس تسيبراس بقادة الأحزاب البرجوازية اليونانية لتوقيع بيان مشترك مع حكومته يدعم  استراتيجيته التفاوضية، وتلك هي الأحزاب التي جلبت التقشف والدمار الاقتصادي إلى اليونان بأمر من الترويكا. وقد رفض الحزب الشيوعي اليوناني توقيع البيان، إن خطة سيريزا متطابقة بنسبة تسعين بالمئة تقريباً مع خطة الترويكا، فهي تقبل معظم المطالب بالمزيد من الاقتطاعات في الأجور والأعمال والرفاه الاجتماعي لتحفيز (النمو) الرأسمالي وتلتزم ببقاء اليونان في منطقة اليورو (نيوووركر في 10 تموز). وأقال تسيبراس أيضاً وزير ماليته يانيس فاروفاكيس في تنازل صريح للترويكا.

لا يمكن مقاومة التطور الخطير المحتمل إلا بتعبئة مناضلة ضد التقشف، لقد أظهر الاستفتاء أن الأساس للنضال قوي وإرادة التضحية عميقة، فقد رفضت الجماهير التخوين بالإغلاق القسري للمصارف أو بتهديدات لا تنتهي بالضياع اقتصادياً خارج أوربا، لتغرق اليونان في مزيد من المعاناة.

وتحدى العمال أرباب العمل الذين أخبروهم أنهم سيسّرحون إذا لم يصوّتوا ب (نعم) للابتزاز المالي للترويكا.

جاء الانتصار الساحق ل (لا) على الرغم من التهديدات بأن الأدوية سوف تقطع، وأن إمدادات البنزين ستتوقف، وأن صعوبات أسوأ بكثير من التقشف الموجود حالياً ستواجه السكان إذا تحدوا الدائنين.

قالت الأغلبية الساحقة: (كفى يعني كفى) صوتوا ضد استمرار البطالة بنسبة عشرين في المئة وخمسين في المئة بين الشباب صوتوا ضد الفقر الذي يشمل ثلاثين في المئة من السكان، وضد المزيد من الهجمات على المتقاعدين، وضد انحدار الاقتصاد بنسبة 25 في المئة وآلاف الإفلاسات والتسريحات، وضد خصخصة أصول الدولة وتسليمها للمصرفيين الأوليغاركيين.

هل سيخون سيريزا نتيجة الاستفتاء اليوناني؟

بعد فوز سيريزا في الانتخابات النيابية الأخيرة ساد تفاؤل بأنه سيغادر السياسة النيوليبرالية التي أغرقت اليونان في المديونية والبطالة، وأن الحزب سيتبنى سياسات بديلة ضد البطالة، سياسات ذات طابع اجتماعي تحمي المتقاعدين، وتوقف الخصخصة وترفع الأجور على حساب البنوك، إلخ، أي تطبيق بيان سالونيك الذي دخل الحزب الانتخابات على أساسه.

فوز تسلم الحكم قرر سيريزا الالتزام بدفع الديون التي راكمتها الطغمة اللصوصية السابقة والمصارف وأصحاب المصالح المالية والعقارية وهي 350 مليار دولار، والمهم أن هذه الديون لم تنفق على قطاعات الإنتاج والخدمات الأساسية بما يكفي البلد ويؤهلها للتصدير، وخاصة وقت الأزمات، ثم تسديد الأقساط، بل كان قد جرى رصد مئات مليارات الدولارات في المصارف الأجنبية أو تهريبها، أو عقارات أو جرى استثمارها في أسهم وسندات في الخارج. (عادل سمارة، هل سيضحي (سيريزا) بروح الشعب ثانية؟ الأخبار في 8 تموز. قدمت حكومة (سيريزا) العديد من التنازلات لدائنيها كان اليونانيون قد رفضوها في الاستفتاء الذي أجرته الحكومة، وتتضمن المقترحات الجديدة التي قدمتها الحكومة اليونانية لثلاثي الدائنين إجراءات تقشفية تفوق بأربعة مليارات يورو الخطة التي رفضها الشعب اليوناني في الاستفتاء.

(الأخبار في 11 تموز).

العدد 1105 - 01/5/2024