أزمة مثقّف أم أزمة ثقافة؟!

 الثقافة كلمة قديمة وعريقة في العربية، فهـي تعني صقـل النفـس والمنطق والفطانة، وثقف الرمح: أي سوّاه وقوّمه.

والمثقف في اللغة: هو القلم المبريّ، وقد اشتُقَّت هذه الكلمة منه، ذلك أن المثقف يقوِّم نفسه بتعلّم أمور جديدة، كما هو حال القلم عندما يجري بريه.

وتختلف طبيعة الثقافة وخصائصها من مجتمع إلى آخر، وذلك للارتباط الوثيق بين واقع الأمة، وتراثها الفكري والحضاري.

فالثقافة تنمو مع النمو الحضاري للأمم، لكنها قد تتراجع مع مرور الوقت، بسبب عدم الاهتمام الكافي بها، مما يؤدي إلى غياب الهوية الثقافية الخاصة بالعديد من الشعوب، والوقوع في أزمات وممارسات غير صحيحة، كما يحدث في الوقت الحالي.

فقد بتنا نلاحظ تدهور الحالة الثقافية بشكل يطرح الكثير من علامات التعجب والاستفهام، فلدى اطلاعنا على الأعمال الأدبية والفنية الحائزة على الجوائز الأولى، نلاحظ انخفاض السوية الفكرية والفنية لهذه الأعمال بما لا يتناسب مع حصولها على هذا التكريم والاهتمام من قبل الجهات المعنية، وهذا يجعل المثقف يُصاب بإحباط شديد وخيبة أمل تدفعه إلى العزوف عن الاهتمام بالحالة الثقافية والإبداعية، في محاولة لاشعورية منه للخروج من هذا التيار.

وهذا بحدّ ذاته يشكل خطورة على المشروع الثقافي، لأن المثقفين هم المنتجون للثقافة بشتى مظاهرها، وهم الفاعلون على ربط الواقع الاجتماعي بالحضارة والتقدم والتنوير.
وكما قال أنطونيو غرامشي: (إن المثقف تتنازعه مجموعة لا متناهية من النوازع تدفعه في كثير من الأحيان إلى الخيانة.. فشعوره باللاجدوى من كتاباته وإحساسه ببعد المسافة بينه وبين أفراد مجتمعه يولّد فيه الشعور بالسلبية، مما يجعل كتاباته تصدر في الغالب عن ردة فعل، فالأزمة هي أزمة مثقف لا ثقافة).

ومن جهة أخرى هي أزمة ثقافة، لأن طبيعة التطور التكنولوجي، وطبيعة التطور العلمي فاق قدرة الدول والشعوب العربية، وحملها إلى منظومة أخرى. فانصراف الناس إلى قشور الحضارة، وسيطرة طغيان الحضور الإعلامي لكل مواضيع الإثارة من غناء ورقص، وكثرة الفضائيات التي تروّج لهذه الأنواع من الفنون والأفلام والكتب الهابطة، كل هذا ساهم في تردي الثقافة.

ولا نستطيع هنا إغفال الجانب المادي، فالمثقف تائه بين متطلبات الحياة والأسرة والعائلة، وبين مشروعه الحضاري الذي يريد، وهذا ما يزجّ به في صراع مرير بين هذا وذاك، ويجعله يعيش إحباطاً كبيراً بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة. فالمثقف والمبدع بحاجة إلى بيئة حاضنة، لأن الثقافة نتاج بشري مرهون بمستوى الذكاء والإبداع الفكري الذي لا يتحقق إلاّ ضمن منظومة سياسية واجتماعية تتسم بالحرية والعدالة.

ولهذا لابدّ من تكثيف الاهتمام بالثقافة من خلال مواجهة العوائق التي تقف في وجه المثقفين العرب، وذلك بإصلاح التربية والتعليم، وتحفيز الابتكار والعمل والإنجاز، والرقابة على المؤسسات الثقافية، وحسن اختيار الأكفاء منهم للقيام بدورهم الطليعي في هذا المجال. كما يجب تبني الفكر النقدي الأكاديمي الصحيح غير المحبط كجزء أساسي في المشروع الثقافي، القائم على النقد البناء غير العدواني، واختيار مختصين حقيقيين على دراية بأصول النقد.

فالمثقف هو عين المجتمع، وصوت الأمة ولسانها، وبقدر إدراكه لهذا وإحساسه به، تقع عليه مسؤولية التنوير والنهوض بالمجتمع. وحصوله على لقب مثقف أو مبدع، إنما هو مسؤولية لا تشريف، وكما يقول أرنولد: (الهدف الأكبر للثقافة: أن ندرك الكمال ونجعله ينتشر).

العدد 1105 - 01/5/2024