المستقبل لا يصنعه المنجمون…

العرّافاتُ مشغولاتٍ بخيباتهن وعجزهن عن أي تصور للمستقبل، المستقبل الذي ما زالت تلتهب النيران في أساسات قدومهِ، فالحربُ أصدق أنباءً من قراءات العرّافات.

ماذا ستقول العرّافة للتائه في متاهات الحرب والفوضى؟..

أتقولُ له قد يكون الفرج بعد إشارة أو إشارتين، فيبكي ذلك التائه حلماً كان يراوده، ضاع منه قبل إشارة أو إشارتين.

ماذا ستقول قارئة الفنجان لمن يحلم بتأسيس أسرة تبدأ من قفص الزوجية، فيجد نفسه في قفص الحرب، أو قفص الهجرة، أو قفص البطالة، أو قفص الحاجة تحت خط الفقر..؟؟

ماذا تقول ضاربة الودع لصبيّة كانت تحلم بخاتم خطبة، تستقر به نفسها وأمنياتها، قبل أن يركب حبيبها أمواج البحر الهوجاء، مهاجراً خلف المجهول؟

ماذا تقول الأمنيات لمن يجوبون أزقة الحياة، حفاة النفس، عراة الأمل، للبحث عن كذبة تسمى المستقبل، لتفرح عيون أمهاتهم اللواتي تعبن في سهر الليالي وشقاء الأيام، للوصول بأبنائهن إلى ذلك المستقبل المأمول؟

في زمن الحرب والفوضى وفساد القوانين، صار من الصعب أن نحلم أو نتمنى تحقيق آمالنا، لا بعد إشارة ولا بعد إشارتين، كما تقول العرّافات، ولا بعد آلاف الإشارات.

في زمن العنفِ واليأسِ والضياع النفسي، جميعنا يريد أن يقول: أيتها العرّافات، ابتعدن عن طريقي ودعوني أدفن أحلامي في رمال النعام حتى لا أرى سواد المستقبل في فناجين قهوتكن السوداء!

هي الأمنيات شعور غامض يداعب الروح، يتوارى في مكنونات النفس يحمل جواز العبور المزوّر إلى الواقع المستحيل، الواقع الذي نتمنى أن يكون فيه بعض الأمل الذي ننتظره وننشده بصبر لا يلين. نودّعُ زمناً عابراً لنستقبل زمناً جديداً، ونحن نتكئ على مرارة الصبر والانتظار، ننتظرُ ما سيكون عليه شكل الأيام القادمة التي هي غير واضحة المعالم، يكتنفها ضبابٌ كثيف الغشاوة.

تغادرنا الأمنيات يأساً كل لحظة، وتنهار جدران الأحلام سريعاً، لهشاشة الأساسات في بناء الواقع الصعب. نحن وأمنياتنا وأحلامنا، نسافر في مركب ضعيفٍ متفككٍ تتقاذفهُ الأمواج الهوجاء، نترقّب ظهور حمامةٍ تحمل في منقارها غصن زيتون، تدلّ على وجود شاطئ قريب لمستقبلٍ آمن.

نفتح نوافذ الأمنيات كل صباح، نحلم برؤية بعض الأعشاب الخضراء بين أكوام الحطب اليابس في مزارع الحياة، كما نحب و نأمل. نبحث في جدران الظلام عن تشقّقات صغيرة يبرز منها، بعض ذرات من أشعة الشمس. ننتظر الأمنيات الجميلة أن تمطر من غيمة نخشى أن يكون حملها بالمطر كاذباً.

أحلامنا وأمنياتنا للزمن القادم، ستكون في سلة صياد، يمد قصبة الصيد فوق تجمّع الأسماك تحت الماء، بلا طعم يجذبُ الأسماك في طرف السنارة. ذلك هو الواقع في أمنياتنا وأحلامنا، ونحن بكل تأكيد خاضعون لقانون القدر، بأن الإنسان مسيّر، وليس مخيّراً.

رغم كلّ ذلك علينا أن نعمل على تكسير الجليد لفتح طرقاتنا، وأن نعمل على فتح نوافذنا بانتظار أشعة الشمس، التي لا بد أن تشرقَ بشكل طبيعي ذات صباح.

 

العدد 1105 - 01/5/2024