!أخبار دوت كوم

مر الإعلام بعدة تطورات عبر التاريخ، ولكنه تعرض لنقلة نوعية، ودخل بحقبة جديدة، جعلت وسائل الإعلام التقليدية في سباق محموم، لتحافظ على وجودها أمام سطوة الإنترنت، و انتشار الإعلام الإلكتروني بكثرة، فأصبحت كلٌّ من الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية، تسعى لتجعل لها موطئ قدم في هذا الفضاء الفسيح، عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

وإن الانتشار السهل والسريع للإعلام الإلكتروني، جعل منه وسيلة شعبية، يتهافت عليه جميع الناس، كما أن نقل الخبر ونشره إلى المتلقين والمتصفحين، لم يعد حكراً على الإعلاميين، فقد ظهر بسبب استخدام الفيسبوك والتويتر، ما يسمى بالمواطن الصحفي،  فبمجرد وقوع حدث ما، أصبح ينقل خبره بالكتابة والصوت والصورة،  فالإنسان الذي يحصل على الخبر، أصبح يبثه مباشرة عبر حسابه الخاص في غضون دقائق من حدوثه، فالفرد لم يعد متلقياً عادياً، بل بات شخصاً مؤثراً برأيه في المجتمع، بهذا يكون قد ساهم بصناعة الخبر.

ونظراً لسهولة استخدام تلك المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي وامتلاكها، بات من اليسير على الدخلاء على الإعلام العمل به ونشر الأخبار من خلاله، كل على هواه دون رقيب، لهذا ازدهرت صناعة الإشاعات والأخبار الملفقة والمزورة، فأي خبر بالنسبة لهذه المواقع وجبة دسمة يجب استغلاله، فالقائمون على هذه المواقع لا يهتمون بمصداقية الخبر، بل في حقيقة الأمر همهم الوحيد الحصول على عدد أكبر من الإعلانات مدفوعة الثمن، وذلك لا يتحقق الا بزيادة عدد الزيارات، ورفع نسبة المشاهدة لديها، إن مثل هذه الأمور سلبت من الإعلام الإلكتروني مصداقيته وثقة الناس به.

ولوحظ هذا بكثرة في الحرب على سورية، فقد تم استخدام الحرب الإعلامية كقوة جبارة في صناعة الرأي العام، وتحديداً الإعلام الإلكتروني كان السلاح الشرس الأكثر فتكاً، وكان المحرك الأول لشريحة المتابعين الكبيرة له، ونظراً لقوته وتأثيره على أوساط الشباب، عن طريق استخدام عناوين لافتة للانتباه وصور مؤثرة لاستمالة النفوس لتصديقها، وتداولها ونشرها على نطاق كبير، دون التحقق من أصلها ومصدرها، فهي غالباً مفبركة وإن كان فيها شيء من الصحة سيتم تعديلها والزيادة عليها أو الاختصار منها، كل حسب سياسته وغايته التي يريد الوصول إليها، ورأيه الذي يريد إثباته، فخلال الأزمة السورية، جرى بث ونشر أخبار وصور ومقاطع فيديو كثيرة، أحدثت بلبلة في الشارع السوري، مثل أخبار انقطاع مادة القمح عن المخابز، مما سبب حالة هلع عند بعض الناس فقاموا بشراء كميات خبز كبيرة لتخزينها، وعند انقطاع مياه الفيجة بدأت الصفحات المختلفة تروج لفكرة أن النبع سينضب وأن المياه لن تعود مجدداً إلى دمشق، وغيرها الكثير من أخبار تهدف لزعزعة الاستقرار ونشر الخوف بين الناس، والتي يثبت زيفها وعدم صحتها بعد نفيها من قبل الجهات الرسمية المعنية.

إن ما نراه اليوم في جيل الشباب من افتتان بالمواقع الإلكترونية، والمتابعة لها لحظة بلحظة عبر هواتفهم المحمولة، جعل البعض يرزح تحت سطوة مواقع الأخبار التي تعمل على تحريك الرأي العام، الذي بات يتغير بشكل سريع ودائم وبحالة هيجان مستمر، وتفاعل كبير مع الأخبار المنشورة، فيكون مشتت الذهن ببن تصديق الأخبار وعدم تصديقها، وغير واثق من المعلومة التي تصله، وغير قادر على نفيها، فهناك مئات الآلاف من المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك المختلفة التي لا يمكن الأخذ بها كمصدر يمكن الاعتماد عليها.

إن افتقار الإعلام الإلكتروني لضوابط رقابية وتشريعية، تضمن عدم العبث في المعلومات، جعل من العسير على المتلقي، تمييز الأفضل بين مصادر الأخبار المتعددة، لذلك ندعو إلى أخذ الحيطة من تلك المواقع التي تعمد إلى المبالغة والإثارة، لجذب أكبر عدد من المتابعين، بغض النظر عن القيمة الأخلاقية، والحقيقية للخبر وأهميته، وإلى استقاء الأخبار من المواقع المعروفة بمصداقيتها ومهنيتها، كما ندعو القائمين عليها إلى الالتزام بأخلاق العمل الصحفي وأهدافه السامية ريثما يجري صياغة قوانين تحد من نشر الأفكار الخاطئة والمضللة وتضمن المحافظة على محتوى صحيح ولائق.

العدد 1105 - 01/5/2024