سيرة «يوسف وسلمان العيسمي» في مسار الثورة السورية الكبرى

(الكتابة مركب صعب، محفوف بالغرق، قليل النجاة. هي فن خطر، دقيق المسار لا يقبل العثار) بهذا يقدم الباحث محمد جابر لكتاب (مختارات من الثورة السورية الكبرى عام 1925) لمؤلفه كمال شكيب العيسمي، والذي يحمل في طياته سيرة مناضلين أوفياء لحرية واستقلال البلاد ويخص من هؤلاء المناضلين: المجاهد يوسف حمد العيسمي والمجاهد سلمان حمد العيسمي الملقب بـ عواد الحمد.

فالمجاهد يوسف تبدأ مسيرته النضالية من عام 1916 حين كان من قوام حملة الثورة العربية الكبرى بقيادة الأمير فيصل بن الحسين، والتي دخلت دمشق وأنهت حكم الاستبداد العثماني، ويتصاعد حضوره وفعله المقاوم للمستعمر الفرنسي منذ وطأت جحافله تراب البلاد، فيشارك في أوائل أيار وحزيران سنة 1925 في عدة اجتماعات سرية لرسم كيفية تحقيق وحدة البلاد واستقلالها. وعندما يبدأ الوطني الكبير سلطان باشا الأطرش التحضير لثورته يقف إلى جانبه يوسف العيسمي، ويحث أبناء قريته امتان لمناصرة الباشا سلطان، ويرفع بيرق القرية إعلاناً عن بدء الجهاد، حاضراً وفاعلاً في وقائع الثورة، وخلال مسيرتها اكتسب صفة سكرتير الثورة ووزير خارجيتها نظراً للمهمات التي قام أو كلف بها من قبل قيادة الثورة، وكان ممن وقفوا بوجه انفصال الجبل مؤكداً على وحدة البلاد،فيراسله الأمير شكيب ارسلان من جنيف(سررت من بياناتكم في الجرائد عن قضية اتحاد جبل الدروز مع الشام فأنتم وسلطان باشا وسائر المجاهدين أزلتم قسماً من سوء التأثير الذي وقع من مظهر الانشقاق). سائراً مع قيادة الثورة لمنفاهم الصحراوي الذي ارتضوه بديلاً عن المُغريات التي تقدم بها الإنكليز بهدف إخماد الثورة، وقد كان جواب الباشا سلطان: (هذه الأرض العربية والرمال العربية أفضل من قصور لندن وباريس) فتوجهوا إلى شرق الأردن ومن ثم إلى وادي السرحان في صحراء الجوف متحملين السنوات (العشر) الصعاب التي مرت عليهم هناك، حتى تمت عودتهم للوطن بتاريخ 21 تموز 1937 ليقيموا صلاة الجمعة في جامع بني أمية مع رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، ولا ينتهي دوره النضالي بطرد المستعمر الفرنسي وإنجاز الاستقلال بل يتعداه، إذ يشارك بتكليف من قائد الثورة السورية الكبرى سلطان في مؤتمر حمص الوطني عام 1953(عُقد في منزل النائب عبدالله فركوح وأدار المؤتمر رئيس الجمهورية السابق هاشم الأتاسي ) الذي تنادى إليه رجالات سورية الوطنيون لمناهضة حكومة أديب الشيشكلي وعاد إلى الجبل شارحاً أهداف المؤتمر.

أما المجاهد سليمان حمد العيسمي وكان يطلق عليه  رجل المهمات الصعبة، فكان يدخل القرى ليلاً وأحياناً نهاراً عندما تدعو الضرورة مستطلعاً قوات المستعمر ومخافره، فكان يأتي للجبل قادماً من منفاه الصحرواي بائعاً للملح فيفرغ أكياس الملح ويأخذ بدلاً منها الزاد والمؤونة والخرطوش، متنكراً بزي صعب على أهله معرفته، متقناً عدة لهجات بدوية حاملاً اسم عواد الحمد . شارك في معظم معارك الثورة وقُتلت تحته ثلاثة أفراس أصيلة كانت إحداها قد أهداه إياها الدكتور عبد الرحمن الشهبندر.

وفي تحليل بعض وقائع الثورة السورية الكبرى التي يزيد عددها عن 78 معركة ومواجهة، قُدّم خلالها 4760 شهيداً على مذبح الحرية، منهم ما يزيد عن 2000 شهيد من أبناء جبل العرب،وهذا ربع عدد الرجال القادرين على حمل السلاح حسب تعداد نفوس الجبل في نهاية 1927. حيث  يقول مؤلف الكتاب الأستاذ كمال شكيب العيسمي: (في معارك الثورة السورية طمحت الجماهير إلى الانتقال من ضيق الانتماء الفئوي والجهوي الى سعة الانتماء الوطني والقومي، حيث هو الأرحب والأشمل والأكثر اتساعاً خاصة في مرحلة بدأ فيها الناس بالتعلم والتثقف في مطلع القرن العشرين، وهذا ما يبرر الأعداد الكبيرة للمجاهدين والشهداء من أبناء الجبل، حيث أن هذه الرغبة كانت وعياً أصيلاً وعميقاً تجسد في أهدافهم وفي سلوكهم).

الكتاب غني جداً بتفصيلات عن وقائع وأحداث من يوميات الثورة منقولة وموثقة من مصادرها، رجالات الثورة، ويحمل في طياته أبيات شعر كان قد نظمها يوسف الحمد وغيره من الشعراء، وما تحمله من مساجلات شعرية يضعها مؤلف الكتاب بين أيدي القراء للاطلاع عليها والاستلهام من سيرة المجاهدين الذي ضحوا في سبيل حرية البلاد واستقلالها، وينطبق عليهم الوصف الذي قاله المجاهد الكبير أبو غالب زيد الأطرش في حفل تأبين يوسف العيسمي (ها أنت تواجه اليوم وجه ربك فقير اليد لا تملك من حطام هذه الدنيا شيئاً، ولكنك تملك الشرف والعزة والكرامة وطيب الأثر).

العدد 1105 - 01/5/2024