السوريون الجدد.. أسعد شعب في العالم

هل هو مصطلح غريب؟

ربما، لكنه حقيقي وواقعي، لقد خلقت سنوات الحرب العجاف سوريين جدداً، سواء منهم الذين هاموا على وجوههم في بلاد الله التي ضاقت عليهم بما رحبت، أو من بقي منهم ينتظر موته في ما تبقى من بلاد، وسلاحهم حلم بزمن قادم يحمل في طياته تباشير فرح ما، لم يخسروا الحلم.

بعد يوم 5 شباط 2015 الحافل بالخوف والترقب والقلق حين أُمطرت دمشق بعشرات القذائف تذكرنا نحن الذين أصبنا بنوع من أنواع المناعة الروحية تجاه الخطر، سواء كان من قصف جوي أو مدفعي أو صاروخي أو هاوني أو مفخخات.. إلخ، تذكرنا أحداث أخرى تبيّن أن هذه الحالة لاتخصنا وحدنا، بل هي حالة جمعية وحّدتْ السوريين على الضفتين، أقصد السوريين المقيمين (هنا) و(هناك)… وما بين هنا وهناك يستقبلون الموت والخراب بصدر رحب، وهم يسخرون منه ويروون النكات، حتى صاروا بحق (سوريين جدد).

وفي أواخر ثمانينيات القرن الفائت، وكانت البلاد قد خرجت من أحداث كارثية، لكنها أقل هولاً وفجائعيةً   من حيث الانتشار الجغرافي على الأقل  من هذه الكارثة المستمرة، أصبحت طوابير المواطنين الذين ينتظرون الحصول على علبة سمنة أوزيت أو حتى علبة محارم لساعات طويلة أمراً مألوفا، وأصبح من يقتني علبة محارم (كنار)، التي كانت القناة التلفزيونية الوحيدة تبث إعلانات عنها عدة مرات كل يوم،  أبو زيد زمانه..

آنذاك كانت تُروَى طرفة أن مواطناً مرّ من أمام مؤسسة استهلاكية خاوية، ولأن ربَّاط حذائه – (أجلكم الله) كان قد فلت وأراد أن يربطه. وقف المواطن أمام باب المؤسسة ليقوم بالمهمة مستفيداً من عتبة الباب، وما أن انتهى من عمله حتى كان عدد من المواطنين يصطفون خلفه، فبقي في مقدمة الطابور الذي تضخم رويداً رويداً لم يظهر آخره، ثم مرّ مواطن (كتير غلبة) أراد أن يعرف ما المادة التي توزع ليأخذ مكانه في الطابور، سأل آخر رجل في الطابور فأجاب: بأنه لا يعلم لكنه وجد الطابور فأخذ مكانه فيه، ومهما تكن المادة التي توزع فهو بحاجة إليها، ثم انتقل إلى الذي أمامه فكان الجواب نفسه، وبقي متابعاً إلى أن وصل إلى صاحب الحذاء الفلتان، فروى له ما حصل، فقال له المواطن ال (كتير غلبة):  يا رجل لماذا جعلت كل هؤلاء الناس ينتظرون؟ اذهب إلى شؤونك الأخرى فالمؤسسة خاوية كما يبدو؟

فردّ الرجل الأول: نعم؟؟ شو بدّكيّاني أترك دوري بعد كل هالانتظار!

أما في الزمن الجديد، الزمن الذي صار فيه السوري يمضي نهاره بحثاً عن أسطوانة غاز منزلي أو ربطة خبز أو بضع لترات من المازوت أو البنزين.. ثم يخرج صباحاً بحثاً عن مصدر رزقه، رغم علمه أن المدينة معرضة لسقوط قذائف عمياء، فقد حدث في مخبز من مخابز دمشق أن قذيفة من قذائف القصف العشوائي للعاصمة نزلت بالقرب من طابور طويل من المنتظرين دورهم في الحصول على ربطة خبز، وتفاءل الواقفون  في نهاية الطابور بأن الخوف سيدفع الواقفين في المقدمة أو بعضهم للخروج والعودة إلى منازلهم مما يسرع حصولهم على الخبز المأمول، لكن ما حصل أن أحداً لم يتحرك من الطابور، ربما كان الجميع يفكرون بنفس الطريقة، وتابع الجميع رواية حكاياتهم  التي يقضون بها ساعات وقوفهم الطويلة على الطوابير، وكل سوري الآن لديه من الحكايات ما يكفي لقرن من الروايات والأفلام والمسلسلات..

وفيما كنا نراقب صباح دمشق المليء بالدخان قال لي صاحبي المُهجَّر من بيته: هل تعلم إن السوريين هم أسعد شعب بالعالم؟ اسألني كيف ولماذا؟ وخذ الجواب..

كم مرة تقطع الكهرباء ثم تاتي كل يوم؟ هناك على الأقل 10 مرات يفرح  فيها السوري بعودة الكهرباء يومياً، وهو رقم جيد لحالات الفرح اليومي..

السوري يفرح حين يحصل على أي كمية من المازوت، وحين يدبر بأي طريقة قنينة غاز، حين يعود ابنه أو ابنته من مدرسته أو جامعته أو عمله سليماً معافى، حين يجد مقعداً في سرفيس، حين يصل إلى حيّه فيجده آهلاً بالسكان، ويتفقد منزله فيجده سليماً، حين يفتح موبايله فيجد شبكة الانترنت فعالة ويبدأ بالاتصال عبر الواتس أب أو الفايبر ليطمئن على المهاجرين من عائلته وأقاربه وأصدقائه،..

فعدّ معي كم مرة يفرح السوري يومياً بكل هذه الملذات والنعم.. ستعرف أننا أسعد شعب بالعالم..

عيشوا بهذه النعم، واشكروا ربكم الأعلى!

العدد 1107 - 22/5/2024