مركز اعتدال لمكافحة الفكر المتطرّف: محاولة لتبييض صورة السعوديّة

 افتتح مؤخراً في العاصمة الرياض، برعاية أمريكية – سعودية وبتمويل سعودي خالص، مركز اعتدال البحثي لمكافحة الفكر المتطرف، ولقيادة الجهود الدولية لمكافحة الفكر المتطرف.
رسالة المركز وأهدافه ورؤيته الإستراتيجية تحصر التطرف بالجانب المتعلق بأتباع الديانة الإسلامية، أي التطرف الديني (الإسلام السياسي) الذي تحول من ظاهرة إلى ثقافة تسيء لصورة العالم الإسلامي لدى الآخر، فنظرة الآخر إلى أتباع الديانة الإسلامية لا تتعدى كونهم إرهابيين، قتلة، سفاكي دماء، لا يرحمون بعضهم، ولا يرحمون من يخالفهم في الرأي والعقيدة.

رسخت هذه الصورة في العقل الغربي أقوال الجماعات الإسلامية المتطرفة الراديكالية وأفعالها، التي تستخدم رمزية (قول الله أكبر، رفع المصحف…) بعد تنفيذ أي اعتداء إرهابي، في محاولة منهم لجذب تأييد عموم المسلمين في مختلف أنحاء العالم (الإيحاء بأنهم يمثلون الإسلام) الأمر الذي ساهم في تعميق الكراهية والخوف وفكرة استحالة التعايش والتسامح (الإسلاموفوبيا).

سيعمل المركز كما هو وارد في رسالته التوضيحية على تعزيز ثقافة الاعتدال (التطرف رديف الغلو وهو مجاوزة حد الاعتدال) من خلال رصد وتحليل الفكر المتطرف واستشرافه، للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، والتعاون مع الحكومات والمنظمات ذات العلاقة.

وحدد للمركز 4 أهداف رئيسية، أولها الوقاية من خلال تفنيد الخطاب المتطرف ومحاربة أنشطته والحد من آثاره، كما تضمنت الأهداف (التوعية) لتعزيز ثقافة الاعتدال والتسامح وتقبل الآخر، إضافة إلى (المواجهة) لمواجهة الفكر المتطرف ومنع الانتماء إليه أو التعاطف معه أو المساهمة في أنشطته بأي شكل من الأشكال، والهدف الرابع (الشراكة) بتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفكر المتطرف.

 وحددت لعمل المركز ثلاثة محاور تبدأ بالرصد باعتماد اللغات الأكثر انتشاراً وبدرجة عالية من (الأتمتة) في الأخطار، مع القدرة على كشف المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف.

 والمحور الثاني تمثل في التحليل من خلال التشخيص الدقيق للمواد المرصودة بكل اللغات واللهجات المختلفة بما يساعد على إصدار التحليلات الدورية يومياً وأسبوعياً وشهرياً.

 المحور الثالث (التفاعل) من خلال إجراءات استباقية وتفاعلية تستهدف الرد على الشبهات وحجب الفكر المتطرف بمختلف أشكاله ومنعه وإغلاق منافذه وتعطيل مصادر التغذية الرقمية.

 هذه هي الأهداف والمحاور التي حددت للمركز، وهي على ما يبدو محاولة من الحكومة السعودية لتبيض صورتها وسمعتها في المحافل الدولية ولدى الدول الفاعلة.
ولكن هل الفكر المتطرف محصور في أتباع الديانة الإسلامية فقط؟ ألا يوجد تطرف وغلو لدى أتباع الديانات الأخرى؟ ألا توجد أشكال وأنواع أخرى للتطرف؟ ألم يسمع مؤسسو مركز اعتدال عن تطرف سياسي وإيديولوجي؟
ألا يوجد في الغرب تطرف سياسي وإيدلوجي وعرقي واجتماعي وديني يستحق من المركز الإشارة إليه والتعامل معه على أنه شكل من أشكال التطرف؟ أليس من أسباب التطرف الفكري والديني في منطقتنا هو السطوة والنفوذ الغربي واستئثاره بمقدرات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفرض إرادته السياسية ورؤيته على المنطقة بأسرها؟

إن حصر نشاط المركز بالتطرف والغلو لدى بعض معتنقي الديانة الإسلامية، هو رؤية قاصرة.

لننظر الآن إلى الدور الذي ستلعبه السعودية في المنطقة بعد افتتاح المركز، فمن المفروض أن تتغير سياساتها ونهجها، على الصعيدين الداخلي والإقليمي، فهل ستبدي مرونة في الداخل؟ هل ستتيح مساحة أكبر للحريات في المملكة؟ هل ستسمح بوصول أشخاص من خارج الأسرة المالكة إلى مراكز صنع القرار، كرئيس مجلس وزراء وبرلمان حقيقي ومحافظين؟ هل ستقلص من مساحة السلطات والاستثناءات الممنوحة للأسرة المالكة؟
هل ستشدد القيود على أمرائها الذين يسيطرون على غالبية المواقع المفصلية في المملكة سواء منها التنفيذية والخدمية والاقتصادية والسياسية؟ هل ستلغي هيئات معروفة بجبروتها وسطوتها تمارس ضغوطاً على التفاصيل الصغيرة للحياة اليومية للمواطنين بحجة مخالفتها لتعاليم الشرع والدين؟
أليس في الداخل السعودي أسباب وسلوكيات تدعو للتطرف؟ وهل ستحد من الممارسات غير المقبولة تجاه العمالة الوافدة؟ هل ستلغي الكفالة على العمالة من مختلف الاختصاصات وتمنحهم حقوقاً عادلة؟ وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، هل ستتوقف عن ممارسة الضغط على الدول من خلال القروض والمساعدات ومن خلال علاقاتها بدول فاعلة على الساحة الدولية لتبنّي مواقف ومقاربات قريبة من مواقفها أو متطابقة مع رؤيتها؟
هل ستتوقف عن دعم بعض الجهات والجماعات التي يمكن وصفها بالمتطرفة والإرهابية؟ هل ستتوقف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى؟!

لندع هذا جانباً هل ستُوقف السعودية بوقها الإعلامي التحريضي الجنرال وليد آل إبراهيم صهر العائلة المالكة، مالك قناتي العربية والحدث (شبكة قنوات تلفزيون الشرق الأوسط ام بي سي) بقنواتها المختلفة و خاصة قناتي العربية والحدث – وليد واجهة لا أكثر وتحرير الأخبار وتحديد أسماء الضيوف والمحاور التي ستناقش يجري في مطابخ الاستخبارات وتمرر إلى القناة لتنفيذها وبثها،
هل ستوقفه عن مهاجمة من لا يدين بالولاء للسعودية، وكل من يخرج عن العباءة السعودية. في سورية دعمت السعودية جماعات وفصائل لتخوض حرباً بالوكالة، الهدف منها كما هو معروف تغيير النظام السوري وصولاً إلى تقليص النفوذ الإيراني في سورية ولبنان وغزة والمنطقة، كما ورد على لسان أكثر من مسؤول سعودي وخليجي، فماذا كانت النتيجة؟
دمار وقتلى ومفقودين ونازحين ومهجرين وأرامل، وفتنة بين أبناء الوطن الواحد، والدفع باتجاه تقسيم البلاد….، ألم تكن قطر شريكة في هذه الحرب تمويلاً وتخطيطاً؟ لماذا تحارب قطر صديقة الأمس عدوة اليوم، هل تغيرت المصالح، ألم تعد هناك قواسم مشتركة ومقاربات تجمع الطرفين؟
ألم تمول السعودية الجماعات والفصائل الإرهابية في سورية؟ ألم تسلح السعودية هذه الجماعات؟ السعودية تطالب بأشخاص تصفهم بالإرهابيين، هل ستُسلم السعودية أشخاصاً ستتهمهم سورية بالإرهاب والتحريض الطائفي (سيكون هناك قائمة مطلوبين للشعب السوري من الداخل السوري ومن دول الجوار)،
على سبيل المثال لو طالبت سورية السعودية بتسليمها وليد آل إبراهيم صهر العائلة المالكة وغيره من المحرضين والممولين والمخططين والمشرفين على التأزيم وإشعال الوضع في سورية خلال السنوات السبع الماضية، هل ستستجيب؟
أم أن المركز افتتح لتلميع صورة النظام السعودي في العالم، خاصة أن السعودية وقبل افتتاح المركز تبرعت بـ 100 مليون دولار لمركز الأمم المتحدة لمكافحة التطرف والإرهاب.

نريد أن يواكب هذه المبادرات التي يُظن أنها تحمل نوايا صادقة أفعالٌ صادقة، أسئلة تحتاج إلى إجابة من قبل النظام السعودي، سننتظر ونراقب هل سيكون هناك تغيير في السياسة أم أن المركز سيكون وسيلة لتلميع صورة هذا النظام وتبييضها على الساحة الدولية؟

 

العدد 1105 - 01/5/2024