زوبعـة « الكيمــاوي » من جديد

مؤخراً عادت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عادتها بتهديد سورية عبر مسرحية جديد ابتدعتها، عندما صرح ناطق باسم البيت الأبيض الأمريكي بأن جهات أمريكية، منها وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، وجهاز الأمن الفيدرالي، ووكالة الاستخبارات، توفرت لديها معلومات تفيد بوجود تحضيرات في مطار الشعيرات السوري، تشير إلى التهيئة لاستخدام السلاح الكيماوي من قبل الجيش السوري حسب تعبيره.

وأضافت مصادر أمريكية لاحقاً، بأن التحضير لذلك لا يقتصر على قاعدة الشعيرات فقط. وبالتوازي مع ذلك، أكدت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي هذه المزاعم، مهددة بكل وقاحة بأن هذا الاستخدام فيما لو حصل سيجعل سورية تدفع ثمناً باهظاً له!

وسارعت بريطانيا (الذنَب) إلى التصريج بأنها ستشارك واشنطن في أية ضربة لسورية، وتبعها الرئيس الفرنسي ماكرون بتصريح مماثل، وبأنه نسّق مع الرئيس الأمريكي حول ذلك.

إذاً، هي مسرحية جديدة تعدُّ لها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها لاستهداف الشعب السوري وجيشه ودولته تحت ذريعة كاذبة جديدة لا أساس لها من الصحة، على غرار استهداف قاعدة الشعيرات بصواريخ (توماهوك) من السفن الأمريكية في أوائل شهر نيسان الماضي، إلى جانب إسقاط طائرة سورية، وقبل ذلك، قصف أمريكي لمواقع الجيش السوري في (الثردة).

السلاح الكيماوي، أصبح حجة للولايات المتحدة تستخدمها حين تشاء لدعم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى، كلما اشتد الضغط السوري على الإرهاب ولحقت الهزائم بفصائله.

الدلائل على هذه الذرائع الواهية كثيرة، ومنها، على سبيل المثال، أنه بعد استخدام التنظيمات الإرهابية لهذا السلاح في (خان شيخون)، طلبت روسيا تشكيل لجنة تحقيق نزيهة للوقوف على الفاعل بالذات، إلا أن واشنطن لم تستجب لذلك الطلب وعطّلته،
حتى لا تظهر الحقيقة، لأنها تدرك سلفاً أن نتائج أي تحقيق موضوعي ستكون في غير صالحها، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن جبهة النضرة وغيرها من الفصائل التابعة لها سبق أن استخدمت هذا السلاح في غوطة دمشق وفي ريف حلب، بهدف اتهام الجيش السوري.

من جهة أخرى، وبالأساس لا تمتلك سورية مثل هذا السلاح، ثم إن الجيش السوري ليس مضطراً لاستخدامه، فيما لو وجد، لأن هذا الجيش يُلحق الهزائم بالإرهابيين بقدراته العسكرية الأخرى وأسلحته التقليدية، وبالتالي فإن مثل هذه الذرائع أصبحت مكشوفة، فكلما حلت هزائم جديدة بالمجموعات الإرهابية تلجأ هذه المجموعات وبالتنسيق مع رعاتها في المنطقة (السعودية وقطر وتركيا) إلى العزف على هذا الوتر عبر ترتيب مثل هذه التمثيليات والمسرحيات المزيفة،
وتصويرها وإخراجها، لدفع أمريكا وإسرائيل إلى توجيه ضربات مباشرة ضد مواقع الجيش السوري بهدف إضعافه.

وإذا عدنا إلى أسباب مثل هذه الاعتداءات العسكرية الأمريكية المباشرة على سورية نجدها لا تخفى على أحد، وفي مقدمتها، التقدم الذي يحققه الجيش السوري والقوى الرديفة، وبسرعة قياسية على مختلف الجبهات، وخاصة في البادية السورية باتجاه الحدود السورية – العراقية، ودير الزور..

وهذا ما أقلق الولايات المتحدة وحلفاءها وعملاءها في المنطقة. أما السبب الثاني فهو التنسيق العراقي والسوري على الحدود المشتركة بين البلدين، والذي أدى إلى نتائج إيجابية ملموسة في التضييق على داعش الإرهابي، وبالتالي لابد من التشويش على هذا التنسيق ومحاولة إعاقته أو وقفه، لأنه يتعارض مع النوايا الأمريكية المبيّتة ضد البلدين الشقيقين.

والسبب الثالث الذي أصبح مكشوفاً، هو أنه كلما شعرت واشنطن بأن القضاء على داعش بات وشيكاً، تعمد إلى دعمها بشكل مباشر أو غير مباشر عبر قصف للمواقع السورية، أو تهديد ضد سورية، إضافة إلى ذلك فإن هذا التهديد الأمريكي الجديد لسورية،
من شأنه أن يرفع المعنويات المنهارة للمجموعات الإرهابية المرتبطة بها وللمعارضة التي تتبنّاها الرياض، والتي تعاني من التناقضات وتُراكم الفشل، وأن يؤكد للسعودية وغيرها من رعاة الإرهاب أن أمريكا في ظل إدارة الرئيس ترامب مازالت تقف إلى جانبهم.

 وما يلفت النظر هو أن واشنطن، على ضوء ما لمسته من تحركات سورية فعّالة لمجابهة أي عدوان عليها، وعلى ضوء التصريحات الروسية الحازمة بأن روسيا سترد على أي مغامرة أمريكية أو استفزاز ضد سوري بالشكل المناسب،
على ضوء ذلك كله أطلقت تصريحات تزعم فيها بأن سورية تعاملت بجدية مع التهديدات الأمريكية، وكأنها تريد الإيحاء بأن سورية تراجعت عن التحضيرات المزعومة.

يبقى أن نشير إلى مسألة هامة، أو بالأحرى نذكّر بها، وهي أن سورية ليست وحدها في مواجهة العدوان، بل لها أصدقاؤها وحلفاؤها المعروفون الذين وقفوا وسيقفون إلى جانبها، وفي مقدمتهم روسيا وإيران والمقاومة الوطنية اللبنانية، وبالتالي فإن أية مغامرة أمريكية جديدة ضد سورية سيكون الردّ عليها مفاجئاً لواشنطن وحلفائها.

أخيراً، إن مثل هذه المسرحية الأمريكية حول عزم سورية على استخدام السلاح الكيماوي ليست جديدة، كما أشرنا في مطلع الحديث، ولن تكون الأخيرة، وهي تهدف بالأساس إلى إنقاذ المشاريع الأمريكية في المنطقة.

 

العدد 1107 - 22/5/2024