قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد حول الذكرى المئوية لثورة أكتوبر الاشتراكية المجيدة

إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد ترى أن ثورة أكتوبر الاشتراكية شكلت معلماً تاريخياً بارزاً في تاريخ النضال البشري لتحقيق التوق الإنساني إلى الحرية والمساواة والعدالة. هذا الطموح شكل رابطاً فكرياً إنسانياً متواصلاً ومتطوراً منذ جمهورية أفلاطون إلى البيان الشيوعي لكارل ماركس وفريدريك إنجلز، مروراً بثورة البلاشفة، والثورات التحررية الأخرى ذات الطابع الاشتراكي، لإقامة مجتمع حضاري، يعمل فيه الجميع ويتشاركون في التمتع بثمار جهودهم. وقد اجتازت هذه الأفكار بقيادة الحزب الشيوعي امتحاناً مفصلياً، لما تمكنت الطبقة العاملة وحلفاؤها من الفلاحين والجنود وقائدها الثوري الفذ فلاديمير إيلتش لينين من إرساء أسس مادية لتطبيقها على أرض الواقع في بلاد السوفييت بعد تشرين الثاني من عام ،1917 وأثبتت الإمكانية الواقعية للانتقال من نظام الاستغلال الرأسمالي إلى نظام أكثر عدلاً ومساواة.

فالتجربة الاشتراكية التي مارستها السلطة السوفييتية في القرن الماضي، رغم نقاط ضعفها والأخطاء التي رافقتها، تعد إنجازاً إبداعياً للسلطة العمالية متمثلاً بإرساء أسس لنظام اشتراكي غايته الأساسية منع استغلال الإنسان للإنسان، من خلال التملك الاجتماعي لوسائل الإنتاج الأساسية وإدارتها، وتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واشتراك ملايين الشغيلة في بناء المجتمع الجديد، مجتمع القضاء على البطالة، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية المجانية والعالية الجودة، وتطوير الثقافة الشعبية، وإنصاف المرأة، وتمكينها من أداء دورها الكامل في حياة المجتمع، وتنظيم التعايش والتآخي بين الشعوب والإثنيات المتنوعة، بدلاً من الصراعات.

ورغم التدخلات الأجنبية، والحروب العدوانية التي واجهتها، من قوى الثورة المضادة والقوى الامبريالية، تمكنت الثورة خلال فترة زمنية قصيرة من تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة، متخطيه حالة التخلف التاريخي لروسيا القيصرية، وجعلت من الاتحاد السوفييتي دولة عملاقة في الإنتاج المادي والثروات والتقدم العلمي والقوة العسكرية المهابة، في القرن العشرين، ومجاراة اقتصاديات الدول الرأسمالية القوية.

إن ثورة أكتوبر لم تكن حدثاً روسياً فحسب، بل امتد تأثيرها، وإشعاعها، وإلهامها على مدى الكون. فساهمت في إنهاض النضال الطبقي والتحرري في مختلف البلدان، وقدمت الدعم والمساعدات الكثيرة للشعوب الأخرى في نضالها من أجل الحرية والاستقلال، وضد عدوانية القوى الإمبريالية وحروبها، وساهمت في تصفية الاستعمار، وسحق القوى الفاشية. ولا تنسى شعوبنا العربية الدعم المتعدد الأوجه الذي تلقته من دولة العمال والفلاحين الأولى في بلاد السوفييت. بدءاً من فضح المؤامرات الامبريالية، واتفاقات تقاسمها للسيطرة على بلداننا، كاتفاقية سايكس -بيكو، وصولاً إلى تقديم الدعم والتعاون السياسي والاقتصادي والعلمي، مما شكل أرضية عميقة لتوطيد الصداقة بين شعبنا وشعوب بلاد ثورة أكتوبر، التي امتدت مفاعيلها إلى أيامنا هذه، حتى بعد أن انهارت سلطة السوفييت. وهذا ما نشهده من علاقات التعاون بين بلدينا هذه الأيام، والمساندة القوية في مواجهة العدوانية الإمبريالية والصهيونية والقوى الرجعية العربية العميلة لها، وكل أشكال الإرهاب الدولي الظلامي، الذي يكافح شعبنا لدحره، وصيانة وحدة بلادنا واستقلالها وسيادتها وحريتها، ومن ثم ليتمكن شعبنا من مواصلة نضاله من أجل التقدم في بناء الدولة العصرية الحديثة، دولة المواطنة والديمقراطية والتعددية السياسية الفعلية والعدالة الاجتماعية ومن أجل المستقبل الاشتراكي.

إن الاشتراكية غدت أكثر ضرورة وحاجة إنسانية وأخلاقية وعملية لتحقيق آمال البشر وأحلامهم بالعدل والرفاه والسلم، ولإنقاذ البشرية من التغول الإمبريالي والعولمة المؤمركة، وافتئاتها على حقوق الشعوب والفئات الكادحة. وإن انهيار تجربة نظام لها كان قائماً، هو انهيار لذلك النظام، وليس انهياراً للأفكار والمبادئ الماركسية. فقد غدت الماركسية ومنهجها المادي الجدلي التاريخي سلاحاً جباراً وأداة نضالية تغييرية في أيدي الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة. إن ماركس وإنجلز قد نظرا وتعاملا مع الأفكار والمبادئ الماركسية كمنهج ومرشد للعمل، وأكدا أن تطورها الدائم إحدى سماتها الأساسية.

إن مسار سبعين عاماً من عمر ثورة أكتوبر الحافل بالإنجازات الكبيرة والعظيمة داخلياً وخارجياً لا يمكن اختزاله بما اعتراه من انحرافات وأخطاء ارتُكبت، سواء فيما يتعلق بمظاهر البيروقراطية في الحزب والدولة، أم احتكار السلطة، وغياب الديمقراطية، والمغالاة في إجراءات التملك العام للأراضي والإنتاج الزراعي وإدارته، وبعض أشكال التبسيط للمسألة القومية… فذاك التاريخ زود الحركة الثورية والشيوعية العالمية بخبرات تمكنها مستقبلاً من تجنب الأخطاء المرتكبة، وتعزيز مسارها الأصح في سبيل تحقيق مطامحها، وبما يتلاءم مع الخصائص المتباينة لكل بلد، وأن تتلازم فيها التحولات الاشتراكية بممارسة الديمقراطية السياسية والاجتماعية، وضمان التعددية السياسية والحريات الفردية والعامة، وأن تتسم بمضمون إنساني عميق، وبناء تحالفات وجبهات عريضة، ومن خلال حكومة رشيدة ذات سياسات وتوجهات تنموية تعتمد على الذات وتحظى باحترام الشعب وتأييده.

إن محاولات الدعاية البرجوازية الدؤوبة لتأكيد تأبيد النظام الرأسمالي وانتصاره النهائي في ظل العولمة، تفتقد لمقومات الصمود في وجه التحديات والأزمات المالية والمصرفية وأزمة الأسواق التي تعصف باقتصاديات بلدانه في المراكز الأساسية وانعكاسها على البلدان النامية والتابعة، إضافة إلى ما يعززه من التفاوت الطبقي، والتناقضات الاجتماعية، والنزاعات الحربية، والكوارث البيئية. كل ذلك يؤكد أن الدفاع عن الخيار الاشتراكي هو الاتجاه الأكثر صواباً نحو مستقبل آمن وتحقيق الحلم البشري والحضاري العام بالقضاء على القهر والاستغلال والاضطهاد الطبقي والأثني، وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

إن مسيرة ذاك الطموح في بلادنا قد تبدو صعبة وطويلة، ولكنها ليست مستحيلة. وأول ما يتطلبه ذاك هو الإقلاع عن السياسات الاقتصادية الليبرالية التي اتبعت في السنوات الماضية، وعدم الإصغاء لنصائح المنظمات والمؤسسات الدولية التي كانت من أسباب الأزمة التي ألمت ببلادنا، وأعاقت التنمية، وأدت لتركيز الثروة في أيدي فئة قليلة، بينما وسعت دائرة الفقر والمعانة والبطالة للأكثرية من شعبنا. ويتطلب انتهاج سياسات وتوجهات اقتصادية تنموية تعتمد على الإمكانيات الذاتية، وتتعاون مع البلدان الصديقة، وترتكز على قطاع عام واسع للمؤسسات الإنتاجية والخدمات الأساسية، وتحقيق خطوات انتقالية تراكمية متتالية، تؤمن التحكم في عملية التراكم والتطوير العلمي والتكنولوجي، وتعميق العدالة الاجتماعية، وتحسين مستوى معيشة الفئات الشعبية الكادحة.

إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد تنظر إلى احتفاء الشيوعيين وكل اليساريين وأصدقائهم بالذكرى المئوية لثورة أكتوبر على أنه أولاً: هو تقدير لإنجازاتها الوطنية والاجتماعية والأممية، وفي الوقت نفسه هو إعادة دراسة وتقييم لتراث تلك التجربة الهامة وتَبيُّن نجاحاتها وإخفاقاتها، والاستفادة منها في استمرار النضال الثوري الصائب في سبيل الاشتراكية. وثانياً: هو التمسك بالمبادئ الماركسية ومنهجها المادي الجدلي التاريخي كأداة مرشدة لكل الثوريين في نضالهم لتحرير مجتمعاتهم وفتح آفاق تطورها وتقدمها. ولذلك تدعو اللجنة المركزية كل هيئات الحزب ومنظماته لوضع برامجها للإحياء اللائق بالذكرى المئوية للثورة بمختلف الأنشطة الممكنة، من لقاءات جماهيرية، ومحاضرات وندوات وحلقات ثقافية، ومنشورات وملصقات، ومقالات في الصحافة الورقية والإلكترونية، لتوضيح مكانة ثورة أكتوبر وإنجازاتها، ودورها الملهم لمختلف مراحل العمل الثوري في العالم.

فلتتضافر جهود القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في بلادنا لدحر الإرهاب والعدوان!

ولترتفع دوماً رايات الحرية والاشتراكية!

المجد لثورة أكتوبر ولنضال الحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية!

دمشق 11/8/2017

اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد

العدد 1105 - 01/5/2024