لماذا لا تكون الحكومة هي المشغل الخليوي الثالث!؟

منذ قرابة 16 عاماً حتى اليوم لا يوجد في سورية سوى شركتي اتصالات تحتكران السوق، وتفرضان تعرفة تناسب طموحهما بجمع أرباح فاحشة دون مراعاة رغبة العملاء في الحصول على أفضل خدمة ولكن بأرخص سعر، بينما نجد في أغلب الدول تنافساً شرساً بين شركات الاتصالات لإرضاء الزبائن عبر خفض أجرة الاتصال مرة، وطرح عروض جذابة مرة أخرى تستهوي الناس، فيخرق الاحتكار بصراع الشركات.

بينما في سورية لا يقف بوجه رفع أجرة الاتصال شيء، فالشركتان متفقتان بشكل واضح على أن يكون هناك تماثل في الأجور والعروض، لهذا لا نلاحظ تنافساً كبيراً، فعروض الشركتين دائماً متزامنة معاً، وكذلك الخدمات التي تقدمانها، بعكس بقية الشركات حول العالم التي تضع الهيمنة على السوق هدفاً لها، لهذا تتسابق لاستمالة الزبائن وتحصيل ربح يضاهي منافسيها، عبر تقديم عروض وخدمات مميزة عن غيرها. مع بداية هذا العام وافقت الحكومة السورية على دخول مشغل جديد للاتصالات، بهدف كسر حالة الاحتكار والتدخل في السوق بشكل إيجابي يضمن حدوث تنافس يخدم العملاء… الشركة الإيرانية التي سُمح لها بالاستثمار في بداية هذا العام كمشغل ثالث لم تبدأ بعد بالعمل، ولا توجد مؤشرات تظهر المدة التي سينتهي بها الانتظار لانطلاقها بشكل فعلي وبدء عملها على أرض الواقع، وحتى ذلك اليوم لا يملك المواطن حلاً سوى قبول التعامل مع الشركتين المحتكرتين للسوق والرضوخ لهما رغم اعتراضه كثيراً على رفع أجور المكالمات التي وصلت إلى 11 ل.س للخط لاحق الدفع من هاتف جوال إلى آخر، أما إلى الهاتف الأرضي فبلغت 14 ل.س في حين فرض على مستخدمي الخط المسبق الدفع تكلفة 13 ل.س للدقيقة الواحدة بين الهواتف الخلوية، و16 ليرة من هاتفه الخليوي إلى الأرضي، وكذلك الأمر بالنسبة لخدمة الـ 3Gالتي طالها ارتفاع السعر أيضاً ليصل إلى 11 ل.س للميغا بايت الواحد.

في حين جرى تبرير هذا الارتفاع في ذلك الوقت أن هذه الشركات أصبحت تنفق مبالغ ضخمة توزع على عدد موظفي الشركة الكبير، وعلى تشغيل أبراج التغطية وإصلاح ما تضرر منها في ظل الأزمة. ولكن هذه الحجج التي تتذرعان بها غير معقولة، فحجم أرباحهما هائل، ونسبة إيرادات وزارة الاتصال من هذه الشركات تصل إلى 50% من ربحهما، أي أن هذا الشركات المشغلة تعود بالفائدة لخزينة الدولة بعشرات المليارات في كل عام. وأوضح وزير الاتصالات والتقانة المهندس علي الظفير أن الإيرادات المحققة من شركتي الخليوي (سيريتل وmtn) التي دخلت في الخزينة العامة للدولة بلغت قرابة 80 مليار ليرة سورية، عدا ضريبة الدخل والأرباح والجمارك على التجهيزات.

مما يجعلنا نطرح سؤالاً: إذا كانت الحكومة تجني هذه المبالغ الكبيرة من مجرد أن تكون شريكة بـ50% فقط من عائدات ربح هاتين الشركتين، فلماذا لا تكون هي المشغل الثالث للاتصالات الخلوية، خصوصاً أن الشركة الإيرانية لم تبدأ العمل بعد لأسباب مجهولة!؟

وذلك يعود على خزينة الدولة بأرباح أكثر، إلى جانب حصتها من إيرادات الشركات الخاصة، ويتيح لها أن تكون المنافس الأكبر الذي يستطيع أن يفرض خفض لأجور الاتصال الذي بات يشتكي المواطنون من ارتفاعه المستمر، ويقضي على هيمنة شركات الخلوي الخاصة التي استحوذت بغياب شبكة الهواتف الأرضية في الأرياف على كامل الخدمات المقدمة للأهالي هناك، وكانت هي الصلة الوحيدة بين المناطق الآمنة ومناطق وجود المسلحين، وأصبحت الوسيلة الأسرع والأمثل للاطمئنان على العائلة والأصدقاء وإخراج خوف فقدانهم من نفوسهم عند سماع أخبار سقوط القذائف أو الانفجارات مما كان سبباً رئيسياً في استخدام الشبكة الجوالة بشكل مكثف ومركز، فأصبح عبئاً في قيمة الفواتير على جيوب المواطنين وأرباحاً إضافية للشركات.

فإن كانت الحكومة شريكاً فاعلاً في هذا القطاع فستؤدي دوراً إيجابياً في طرح عروض تناسب قدرة المواطنين المادية لسداد الفواتير، وفي إشاعة جو من التنافس الحقيقي والحر يصب في مصلحة المواطنين بالمرتبة الأولى.

 

العدد 1105 - 01/5/2024