الجمود المقرون بالرجاء… تداعيات هبوط الدولار

من ليل طويل السرد، يطغى على ثوانيه الخانقة رائحة الموت والنار، ويستحيل كل جمال فيه إلى قبح مجرد، حيث لا خيوط حريرية صباحية تبشر بنفس يكون كشهقة الطفل الأولى عندما يخرج من ظلمات رحم أمه… من ذاك الليل وجد قلب المواطن السوري الذي حرقت أنفاسه من اكتوائه بنار الحرب، فدخل في ليل طويل السرداب لا بصيص نور في نهايته.

كان كل الزمن ليلاً، ولكن في لحظة صار فجراً.. والأمل أن يصير نهاراً، لأن ذاك السرداب الطويل قد أشع خيطاً رفيعاً من بارقة نور في نهايته.. فأضاءت قلوب السوريين قبل عيونهم، وامتلأت أرواحهم بالرجاء، ولكنه يبقى رجاءً مقيداً بالجمود.

إن هذا البلد لهو بلد المعجزات، فبين يوم وليلة يهبط الدولار هبوطاً يدعو للعجب، ويجعل من العقول البسيطة تتساءل وتطرح علامات الاستفهام عن ذاك الانقلاب الصاعق الذي حدث بين يوم وليلة. لقد هبط الدولار الذي بسبب ارتفاع قيمته أمام الليرة السورية سحقت فئة من الناس نتيجة الفقر والحرمان، بينما للسبب ذاته طفت فئة ثانية عاشت في النعيم نتيجة المضاربات والسوق السوداء والتلاعب بسعر الصرف، والربح الخيالي للتاجر الذي ملأ مستودعاته من البضائع وباعها بأضعاف ثمنها نتيجة ذاك الارتفاع غير المسبوق لقيمة الدولار.

انخفاض الدولار وصفه الكثيرون من الخبراء الاقتصاديين بأنه غير مفهوم وغير صحي، ولا يحتمل أي منطق اقتصادي، طارحين سؤالاً منطقياً: هل يعقل أن تتحسن عملة بلد ما بنسبة 12% خلال فترة لا تتجاوز الأسبوع الواحد؟؟ وفي حال استقر سعر الصرف منخفضاً فإن تأثيره على الأسعار يحتاج إلى شهر، كحد وسطي وفق ما أكدته غرفة تجارة دمشق، في حين أن غرفة صناعة دمشق وعبر رئيسها سامر الدبس أكد أن انخفاض سعر صرف الدولار أمام الليرة بشكل حاد له مضار أكثر من ارتفاعه الحاد، وأن خسائر كبيرة سيتكبدها المصدرون، مما سيدفع بالكثير منهم الى وقف العقود التصديرية، وأكدت الحكومة في الوقت ذاته أنها ستتابع دعم الصادرات وتلافي آثار انخفاض سعر الصرف على الصادرات، وأن سعر الصرف مراقَب، والأمور يجري التحكم بها بشكل ممتاز، وفق وصف وزير الاقتصاد.

ونتيجة لتلك الزوبعة الدولارية يشاهد المراقب للأسواق السورية جموداً يضربها، مثلما ضرب الانخفاض الدولار فجأة، فلا بيع ولا شراء إلا ما ندر، واقتصر الطلب فقط على المواد الغذائية، في حين أن باقي العمليات التجارية تشهد نوعاً من الترقب لما سيؤول إليه وضع سعر الصرف المنخفض، مما دفع الكثير من التجار إلى عدم شراء البضائع.

وشهدت أسعار بعض السلع الغذائية انخفاضاً خجولاً مثل الدخان وبعض أنواع الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

الحركة الوحيدة للأسواق سجلها سوق الذهب الذي انخفضت قيمته، الأمر الذي جعل المواطن السوري يقبل على بيع مدخراته الذهبية خوفاً من أن يطولها انخفاض أكبر يذهب قيمتها، وخاصة بعد أن وصل ذاك الهبوط الى 2500 ليرة للغرام خلال أسبوع.

ومع انخفاض سعر الصرف علت الأصوات في الشارع السوري مطالبة بخفض الأسعار أكثر وخاصة المواد الغذائية والمحروقات، والأدوية والمشافي الخاصة والنقل وغيرها، وخاصة أن تلك السلع ارتفعت بمبرر ارتفاع قيمة الدولار فأي حجة الآن وقد انخفض حوالي 56 ليرة؟!

في بداية الحرب السورية كان هنالك جمود نتيجة الصدمة، ونتيجة ارتفاع الأسعار المفاجئ، وهذا مبرر. ولكن أن يحصل ذات الجمود مع اختلاف التوقيت والسبب، وأن يكون جموداً طرفه مبلول بالرجاء والأمل فهذا غير طبيعي، إلا ان كنت تعيش في بلد المعجزات كما ذكر آنفاً.

هو رجاء خجول، ولكنه أحدث وقعاً سحرياً في أرواح من يتنفسون الأمل والصبح بعد ليالي الحرب السوداء.. وهو جمود ليس كمثله جمود، لأنه سيفضي حتماً في نهايته إلى ازدهار ونماء وحركة دائمة في الأسواق، ونعيماً سيعود مقيماً في بيوت السوريين كما كان قبل بدء اجتياح الحرب…

هكذا يأمل كل سوري عما قريب.

العدد 1105 - 01/5/2024