أثر التربية الجنسية في تكوين الشخصية

تُعتبر الحياة الجنسية من الجوانب الهامة والخطيرة والمعقدة بآنٍ معاً، وهي حسّاسة بقدر ما هي ضرورية، لذا يجب النظر إليها، والتعامل معها بموضوعية وواقعية علمية، بما هي عليه من أهمية وتأثير في حياة الطفل وتكوين شخصيته، وأيضاً لأنها عامل أساسي من عوامل التكيّف الاجتماعي عند الفرد.

لكن المجتمعات العربية والإسلامية عموماً، تنظر إلى المسألة الجنسية نظرة سلبية، يكتنفها الغموض والشك والاتهام، كما تعتبرها من أولى المحرمات وأهمها، حتى ولو بالاقتراب منها حديثاً أم كتابة، لذا فإن هذه العقلية تؤثّر بشدّة على المجتمع برمته، لاسيما المراهقون الخاضعون أصلاً للتغييرات البيولوجية والفيزيولوجية والنفسية خلال مرحلة النمو.

لذا، ولتجنّب العديد من التشوّهات التي تؤثّر بشكل كبير وربما غير مرئي على الشخصية، علينا إيلاء هذا الجانب من حياة الإنسان أهمية تتناسب وحاجة المجتمع إلى أُناس أسوياء وفاعلين، عبر تربية الجنسية سليمة تمدُّ الفرد بالمعلومات والخبرات الملائمة، تجاه المسائل الجنسية المرتبطة بتكوين شخصية الطفل، وفق ما يسمح به نموه الجسدي والعقلي والانفعالي، في إطار المعايير الاجتماعية والأخلاقية الصحيحة، من أجل تأهيله للتوافق مع ما سيعترضه من مشاكل أثناء نموه والتغيرات التي ستطرأ عليه، حتى لا يقع في أزمات نفسية لاحقة.

وللعلم، فإن الطفل بإحساسه المرهف يشعر بالأشياء دون معرفة ماهيتها (سؤاله، مثلاً: لماذا أنا صبي، وأختي فتاة؟) فالحياة الجنسية تبدأ عنده منذ الشهر التاسع لولادته، ونلحظ ذلك عند ارتياحه لدى ملامسته لأعضائه التناسلية، وفي مرحلة المراهقة يخضع للتغيرات الفيزيولوجية التي تجعل الغريزة الجنسية في أوج قوتها الفاعلة وتأثيرها الكبير، الذي قد يدفعه للبحث عن الكتب والمجلات التي تهتم بتلك القضايا، لذا لا يمكن تجاهل المسألة الجنسية وأهميتها عند المراهق، فهي الدافع وراء ميل كل من الجنسين إلى الآخر، مع أنها تتأرجح بين الضعف والقوة من جهة، وبين الظهور والكمون من جهة أخرى، مع التأكيد أن ظهور الدوافع والميول الجنسية هي من الأمور السليمة والسوية عند المراهق، وبالتالي فإن عدم ظهورها يدل على وجود مرض عضوي أو نفسي.

فما هو الهدف من التربية الجنسية؟

1. تزويد الطفل بالمعلومات والمصطلحات العلمية التي تتصل بالأمور الجنسية (أعضاء تناسلية بدل كلمة عورة).

2. تشجيعه على تنمية الوعي والإرادة لضبط أفعاله ورغباته الغريزية من خلال تنمية الضمير الحي لديه، وإكسابه معايير وقيماً أخلاقية اجتماعية سليمة، لحمايته من تجارب جنسية غير سليمة وغير صحيحة.

3. إقامة علاقات سليمة بين الجنسين، على أساس الفهم الحقيقي للآخر، وتقدير سلوكه واحترامه، وذلك بتشجيع التعليم المختلط والصداقة بينهما منذ الطفولة، وهذا من شأنه أن يقرب المسافات بينهما، ويخفف من الأخطار.

4. تصحيح ما قد يشوب ذهن الطفل من معلومات وأفكار خاطئة مكتسبة من وسائل الإعلام غير المسؤولة، أو الكتب والمجلات المبتذلة، أو بعض رفاق السوء.

وهنا علينا ألاَ نُهمل شرح آلية البلوغ عند الجنسين، قبل هذه المرحلة بمدة كافية، ومن قبل الأبوين تحديداً، للتخفيف من آثار تلك التغيرات التي ستطرأ على الأبناء من جهة، ولكي نجعل المراهق (ذكراً أو أنثى) يحب ويحترم ذاته وجنسه من جهة أخرى، فلا نُعيّره بخشونة الصوت مثلاً، أو بتغيّر شكل الجسم، كذلك علينا أن نتمتّع بالمرونة واليقظة في آنٍ معاً، أثناء التعامل مع المراهق، في أيٍّ من الموضوعات المتصلة بالمسألة الجنسية، لأن أي تشدّدٍ أو تراخٍ غير مبررين، قد يكون لهما عواقب وخيمة على الأهل والأبناء معاً، إضافة  إلى أن نكون قدوة إيجابية وحسنة، وأن نتجاوز مشاكلنا الجنسية، ونظرة كل منّا كأبوين إلى الجنس الآخر، فلا نُحَمّل الأبناء مسؤولية موقفنا من الآخر وعدم توافقنا معه.

قد يتساءل البعض: كيف يمكننا أن نجيب عن بعض أسئلة الطفل المُحرِجة؟

هنا علينا أن نقترب من الحقيقة ما أمكن، وأن نلتزم الصدق والأمانة والصراحة والدقة العلمية في الإجابة، وأن تكون هذه الإجابة على قدر السؤال، وبألفاظ مناسبة لنمو الطفل وعمره، عبر الحوار معه لإيصال المعلومة بشكل بسيط، من خلال شرح مفهوم الأنوثة والذكورة، عن طريق تكاثر الأزهار والنباتات والحيوانات الأليفة، وأنه لا يمكن لأحدنا أن يأتي للحياة دون وجود الآخر (الأب والأم) والابتعاد عن الإجابات التقليدية، إذا ما سأل الطفل من أين أتى.

أيضاً هناك مسألة على قدر كبير من الأهمية، وهي الالتزام برعاية الطفل النفسية، وإحاطته بالحب والدفء، لنكسبه الثقة بنفسه وبنا، ولنملأ له فراغاً عاطفياً قد يعصف بنفسيته وتوازنه إن نحن أهملناه، وفي هذا السياق قد نلحظ غيرة الطفل من أحد أبويه على الآخر، وهذا طبيعي فهو يخاف أن يفقد حنان أحد الأبوين واهتمامه، وهذا الأمر قد ينسحب على المراهقين أيضاً لحساسية مرحلتهم العمرية التي تلفها الغريزة الجنسية بشكل كبير.

لذا، ما علينا سوى تهذيب تلك الغريزة بتشجيع المراهق على ممارسة الرياضة والاستماع إلى الموسيقا، وملء فراغه بكل ما من شأنه أن يُقلل من حدّة غريزته، إضافة إلى فسح المجال أمام الفتاة (في البيئات المتزمتة) لممارسة بعض الهوايات حتى لا تبقى أسيرة رغباتها المكبوتة، ونزواتها التي قد تؤثّر على شخصيتها.

فالاهتمام والتوعية ضرورة للجنسين بما يخلق منهما في المستقبل آباء وأمهات يتمتعون بالثقافة الواسعة التي تتطلبها تربية الأبناء بشكل سليم ومعافى، نفسياً وفكرياً وأخلاقياً حتى نرقى بهم إلى مستوى الإنسانية الحرة.

العدد 1105 - 01/5/2024