تحولات فخامة الثور

في جولة تفقدية للوزير الأول على ريف البلاد لمتابعة أحوال الإخوة الفلاحين عن كثب وسماع مشكلاتهم وهمومهم، لما لهذه الطبقة من دور، إضافة إلى شقيقاتها من الطبقات الكادحة من عمال ومثقفين ثوريين وصغار كسبة، في بناء البلد وتحقيق أهداف الحكومة، التقى معاليه بفلاح نشيط يربي عدداً من البقرات في (بايكة) بجانب منزله، وسأله عن المردود السنوي لكل بقرة، فأعطاه الفلاح رقماً لفت نظره، التفت الى مستشاره لشؤون الثروة الحيوانية وسأله: يا فلان كم رأس بقر لدينا في البلد؟ فأجابه على الفور، أخرج موبايله وفتح الآلة الحاسبة وحسب مردود بقرات البلد أجمعين فكان الرقم مذهلاً، كان يفوق مردود شركتي الخليوي اللتين تأخذان الكثير ولا تعطيان إلا القليل للحكومة والشعب، ويقارب مردود النفط.

كان قراره وهو ما يزال في البايكة جاهزاً: إقامة مبقرة حكومية تكملها شركة لإنتاج الحليب ومشتقاته.

في اليوم التالي كانت مسودة القرار على طاولة السيد المستشار، الذي أثنى على القرار، ووضع أرقاماً وجداول تثبت جدوى وألمعية فكر سيده، ثم بدأ العمل في التنفيذ.

خصصت أبنية كانت تستخدم سابقاً كمهاجع لجنود الاحتلال الفرنسي ك (بايكات)، وزُوّدت بمعالف حديثة مع شبكات مياه وكهرباء وتدفئة، ووُزِّعت المهام بين عدد هائل من الموظفين بين مديرين ومعاونين وسكرتيرات وسائقين ومستخدمين وخبراء، وخُصصت سيارات وآليات ومكاتب وتجهيزات كبيرة للإقلاع بالعمل، وجرى شراء بقرات من الفلاحين بأسعار مجزية وبفواتير تجاوزت في قيمها أسعار السوق بأضعاف بحجة الضرائب والمصاريف المستورة.

لكن ظهرت مشكلة بعد البدء في العمل سها عنها كل الدارسين للمشروع: نريد ثوراً ليقوم بمهمته الضرورية لزيادة نسل البقر أولاً، ثم لتتمكن البقرات من إنتاج الحليب ثانياً، وكان القرار العاجل بالبحث عن الثور المناسب للمكان المناسب.

وبعد بحث وتقصّ عرف المعنيون أن هناك ثوراً هماماً تملكه امرأة ريفية (يلحق) على كل بقرات المنطقة والمناطق المجاورة وهو ينكش أسنانه، فكان القرار بتشكيل لجنة من ثلاثة موظفين لمقابلة المرأة والاتفاق معها على استئجار الثور الهمام، وهو ما حصل، إذ اتفقت اللجنة مع المرأة على تخصيصها بمبلغ مغرٍ عن كل مهمة ينجزها الثور مع بقرات الحكومة.

فكان الثور يقوم بمهمته على أحسن ما يرام لقاء مبلغ يدفع لصاحبة الثور في كل مرة ثم يعيدونه إليها معززاً مكرماً نافخاً صدره كطاووس.

لكن المدير وبعض الحاشية ارتأوا أن يقوموا بشراء الثور وإبقائه مع البقرات ليل نهار فتزيد الألفة بينهم ويرتاحوا من قصة الإيجار، اجتمع مجلس الإدارة ووافق طبعاً على اقتراح السيد المدير، وكانت أول خطوة هي تشكيل لجنة لمقابلة المرأة والاتفاق معها على السعر، وهو ما حصل وصار الثور من عداد العاملين في المبقرة بدوام كامل 24/24.

يوم وصول الثور إلى المبقرة كزميل مقيم جرى احتفاء كبير به وحفل عشاء محترم كلف المبلغ الفلاني، ثم وضع في غرفة خاصة به مزودة بوسائل الراحة كافة، وخصصت له وجبات فاخرة يومياً مع ما يلزم من مقويات ومنشطات للقيام بواجبه على أكمل وجه.

الجميع توقع نتائج باهرة للخطوة التاريخية المتمثلة بشراء الثور مثل زيادة كبيرة في عدد العجول الجديدة وإنتاج الحليب تالياً.

مرّت الأيام وبدت النتائج معكوسة تماماً، صارت البقرات يتحرشن بالثور دون نتيجة، وتراجع أداؤه يوماً بعد يوم، قلّت أعداد العجول ونقص إنتاج الحليب إلى أرقام مفزعة.

اجتمع مجلس الإدارة وقرر استدعاء المرأة لاستشارتها في السبب الكامن خلف كسل الثور وتقاعسه.

سألوا المرأة عما كانت تطعمه قبل شرائه من قبل الحكومة، فقالت إنها كانت تطعمه من بقايا طعامها وما تيسر من حشائش الأرض، أما إقامته فكانت في بايكة بلا نوافذ ولا تهوية ولا تدفئة.

فأخبرها المدير بالدلال الذي ينعم به وظروفه سكنه المثالية وطعامه الصحي، وعن تراجع أدائه اللافت حتى وصل إلى أن يهرب من حركشة البقرات به هو الذي كان يجبرها أحياناً كثيرة على تحقيق هدفه.

فقالت المرأة: يا أستاذ لقد أصبح موظفاً الآن، ويعرف أن  مخصصاته ستصله سواء قام بمهامه أم لم يقم..، لذلك نسي ما عليه فعله، وتفرغ للأكل والشرب وفصفصة البذر.. ومراقبة الآخرين أيضاً…

العدد 1107 - 22/5/2024