المنطق الجنسي.. واللاّ منطق في ضبطه

إن غاية الطبيعة، وغاية الإنسان هما غايتان اجتمعتا في أمر واحد، وافترقتا بإفراط الإنسان فيه غايةً ومطلباً، إنه (الجنس)، ولقد خبرته الطبيعة احتياجاً إلى التناسل والاستمرار، في حين إن طبيعة احتياج الإنسان منه هي متعة وإشباع ونشوة، فالهوة إذاً عريضة بين غاية الطبيعة والإنسان، منذ الشعور الأول باللذة الجنسية عند بني البشر، حين لم يكونوا قادرين على معرفة العلاقة بين علاقة الجماع وإنجاب(المواليد)، إذ كانوا يظنون أن الأخيرة هي هدية الطبيعة (الإله).

أما الممارسة الجنسية بظاهرها وباطنها، فكانت تعني المتعة تماماً دون التطرّق لما يسمى انحرافات جنسية مُتْعَويّة، استمرت لمختلف الحقب، إذاً الجنس هو مطلب مُلِحّ ومُلِحّ جداً، ولا معنى لإنكاره أو نفيه أو محاولة ردم ينبوعه، فكل هذا لن يجدي نفعاً أبداً، لأنه احتياج غرائزي يفوق في ضرورته علاقة بعض الغرائز الضرورية بالجسد، حتى إنه تفوق وغلب على غاية الطبيعة نفسها، بمعنى أن الشعور بالجوع لا يفرض نوع طعام معين لتلبية غاية الطبيعة، وغاية الإنسان بسد الجوع، والحفاظ على الاستمرار، أما الجوع الجنسي فهو لا يعني فقط غاية الطبيعة منه، وإنما يعني غاية الإنسان متعةً ولذةً، بجميع طَرَقاته إلحاحاً على الجسد، ولا يحقق غايته إلاّ بوجود الجنس الآخر. ولما وَجَدَ الإنسان أن هذه الاعتيادية الفطرية أمرٌ لابدّ منه، رأى أن لابدّ إذاً من ضبط إيقاعاته ورسم طرائقه، فَسَنَّ بعض الأمور البسيطة لمراقبة هذا الأمر وتنظيمه، إلى أن ظهرت المسيحية وحرّمت تحريماً قاطعاً هذه الفوضى الجنسية، وكان هذا التحريم بدايةً مكان سخرية ورفض من البشر الذين أدركوا حقيقة المتعة، من وراء فوضى الجنس والإباحية شبه المطلقة حينذاك.

فالرغبة الجنسية وحدها إذاً ودون الغرائز والرغبات الإنسانية كلها، هي وحدها تتخطى إدراك الإنسان الواعي لنفسه وأهدافه ومطالبه، وهي أشبه ما يكون بكيان منفصل يحمله الإنسان معه ولا يعيه ولا يفهمه.

بعد كل هذا التأكيد لأصالة الرغبة ورسوخها، وَجَبَ توضيح مفهوم الجنس وشرحه، علمياً وبيولوجياً ونفسياً حقيقياً، دون الالتفاف على عقول الناشئة أو خداعهم، لضمان ألا يلحق أيّ تلوث بفهم الشباب، ولا انحراف سيلحق بمنطق الجنسية الاعتيادية الطبيعية، فيجب أن لا يُنظر إلى احتياجاتنا الجنسية كمشكلة سيكولوجية ونفسية، كما أن بعض الوعي والإيضاح والرشد سيفي بضبط إيقاعه، وتجنّب خلق العلل والعقد حوله وفيه، فكثيرة هي المجتمعات التي سبقت العربية بحلّ هذه المشكلة في إطار قانوني وأخلاقي، في حين مازلنا نحن نرزح في وحل الحرام والعيب دون أن نعي بأنّنا مخلوقون من هذه الرغبة حقيقةً، وهذه الفطرة الجامحة التي حوّلناها إلى مشكلة مع الله والمجتمع، في حين أنه (لا يمكن أن يخلق الله لنا رغبات ويعطينا شرائع مخالفة لها)- كما قال ابن خلدون…

إذاً، كل شيء بحاجة إلى إعادة نظر، ويجب وضع الإنسان وحده بين قوسين لفهمه وفهم احتياجاته الأساسية، والجنس ضمنها قبل كل شيء.

العدد 1105 - 01/5/2024