متى كان الغرب وأمريكا أصدقاء للشعب الكردي؟!

 كلمة (الغرب) أقصد بها الحكومات الغربية الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإنكلترا وفرنسا، ولا أقصد شعوب هذه الدول المتعاطفة مع قضية الشعب الكردي العادلة. ولمعرفة حقيقة مواقف هذه الدول الاستعمارية لابد من العودة إلى مواقفها قديماً، وحتى حديثاً، من هذه القضية، وخاصة لو عدنا بذاكرتنا إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى وأثناءها، لرأينا أن مواقف هذه الدول الاستعمارية معادية لطموحات الشعب الكردي وبقية شعوب المنطقة الأخرى وتطلعاتها ، وكذلك الوعود الكاذبة التي قطعتها هذه الدول، منذ الحرب العالمية وقبلها، لقادة الحركة الكردية، وكان الدبلوماسيون الإنكليز والفرنسيون والأمريكان على صلة مع بعض القيادات الكردية في إسطنبول، أمثال (آل بدر خان-آل نهري وغيرهم) ويقدمون لهم الوعود بتأمين حقوقهم القومية، إلى إن جاءت اتفاقية (سايكس _ بيكو عام 1916) التي بموجبها جُزّئت كردستان إلى عدة أجزاء، وكان الاستعمار الإنكليزي، كالعادة، يستخدم سياسة (فرِّقْ تَسُدْ). فالرائد الإنكليزي (نؤبل) الذي كان مقيماً في مدينة (السليمانية، بكردستان العرق عام1919) قد بذل قصارى جهده لتشتيت القوى الكردية. ففي عام 1920 أبرم (معاهدة سيفر) وفيها بعض الوعود للأكراد، ولكن هذه الوعود بقيت حبراً على ورق. وقال الكاتب السوفييتي نيكتن آنذاك: (إن معاهدة سيفر بقيت حبراً على ورق، فهي مع ذلك شكلت انعطافاً هاماً في تطور الحركة الكردية، فقد عرضت للبحث في وثيقة دبلوماسية، للمرة الأولى).

في عام 1923 انعقد في مدينة (لوزان) مؤتمر ألغيت بموجبه هذه الاتفاقية (اتفاقية سيفر) التي وعدت الأكراد ببعض الحقوق القومية وذلك إرضاءً للدكتاتور ( كمال أتاتورك).

وبعد أن اكتشف قادة الحركة الكردية ألاعيب الدول الغربية ومؤامراتهم ضد الشعب الكردي وحركته التحررية، نشبت الكثير من الانتفاضات والثورات الكردية، كثورة الشيخ (سعيد البيران) في تركيا، فبعد عدة معارك دامية منيت الانتفاضة بالفشل نتيجة جرائم الجيش التركي ومساندة الدول الاستعمارية له، وخاصة الاستعمار الفرنسي، فقد فتح الفرنسيون خط سكة الحديد – حلب – بهدف نقل الجنود إلى مؤخرة الثوار وضربهم من الخلف، وألقي القبض على قادة الانتفاضة وأُعدموا في مدينة (ديار بكر) وفي مقدمتهم قائد الانتفاضة: الشيخ سعيد البيران، الذي صرخ في وجه جلاديه وهو أمام حبل المشنقة قائلاً :(أيها الجلادون! لا تفكروا أنكم سوف تقضون على الشعب الكردي بإعدامنا..).

ثم جاءت انتفاضة (ديرسم) وانتفاضة (أكري داغ)، وبعد القضاء على هذه الانتفاضات ارتكب كمال أتاتورك مجازر بحق الشعب الكردي، وخاصة في (ديرسم)، كل ذلك على مسمع ومرأى من الدول الاستعمارية وبمباركة منها.

وفي عام 1919 جرت انتفاضة كردية في (السليمانية)- كردستان العراق، بقيادة الشيخ محمود الحفيد، وكان وضع الاستعمار الإنكليزي غير مستقر في العراق. وكالعادة وُعد الأكراد بالحقوق القومية والوقوف إلى جانبهم، وذلك من أجل تهدئتهم  ومن أجل الضغط على الملك فيصل وجرّه إلى توقيع معاهدات مع الإنكليز، ولكن لم تمضِ فترة طويلة حتى أُلقي القبض على الشيخ ونُفي إلى الهند.

 وفي عام 1930 أرد الاستعمار الإنكليزي توطين الآشوريين، ليس حباً بالآشوريين بل بهدف الإيقاع بينهم وبين الأكراد، مما اضطر المرحوم الشيخ (أحمد البرزاني) إلى الوقوف في وجه هذه المحاولات الخبيثة للاستعمار الإنكليزي.وجرت معارك عنيفة وأُلقي القبض على البرزاني ونفي إلى جنوب العراق، وبقي في المنفى حتى عام  1945. كذلك يجب ألا ننسى دور أمريكا الواضح في ضرب جمهورية (مها باد)، ذلك أن الضباط الأمريكان كانوا يستخدمون طائرات الشاه في ملاحقة الثوار الأكراد لتصفيتهم والقضاء على جمهورية (مها باد).

وعندما اجتاح جيش الشاه، بدعم من القوات الإنكليزية، جمهورية مهاباد، جرى إعدام قادتها وفي مقدمتهم القائد القاضي محمد، ولم تعارض الحكومات الغربية تلك الأعمال الوحشية والإعدامات الجماعية، بل بالعكس تماماً أيدت وباركت تلك الجرائم بحق هؤلاء القادة الكرد، بخلاف ما تشيعه بعض القوى اليمينية الكردية بأن السوفييت تخلّوا عن الأكراد وساهموا في القضاء على (جمهورية مهاباد)، والدكتور عبد الرحمن قاسملو، أحد القيادات الأساسية في حركة التحرر الكردية في إيران يؤكد بطلان تلك المزاعم بحق السوفييت، ويحمّل الرجعية الكردية في إيران مساندة الدول الغربية لهم في القضاء على حكومة  مهاباد.

ومنذ عام تلعب الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق عملائها في المنطقة، لعبتها اللعينة للإيقاع بين الأكراد والعرب وشعوب المنطقة الأخرى وإشعال نار الفتنة بينهم، وكذلك محاولات إبعاد حركة التحرر الكردية عن الحليف الأساسي لهم: الاتحاد الروسي، والأمريكان يحاولون توظيف بعض الطلعات الجوية ضد القوى الإرهابية في سورية، للتظاهر بالاختلاف مع النظام التركي وبدعم القضية الكوردية،وخلق أوهام لدى الأكراد بأن أمريكا يمكن أن تتخلى عن تركيا لإرضاء الأكراد والدفاع عن حقوقهم القومية، فأمريكا والغرب بشكل عام يريدون الآن الاستفادة من الأكراد للضغط على سورية وعلى روسيا الاتحادية، وعرقلة الدور الروسي في المنطقة، ولكن هذه الأساليب والنفاق لا يمكن أن ينطلي على القيادات الوطنية للشعب الكردي، وهم يتذكرون جيداً الجرائم التي ارتكبها الغرب بحق الانتفاضات والثورات الكردية.

إن مصلحة الشعب الكردي تقتضي الحذر كل الحذر من هؤلاء المجرمين الذين غدروا تاريخياً بالأكراد. كما يحذّر الدبلوماسي السوفييتي القديم (نيكتن) من دور الإقطاع والأغوات والبرجوازية التجارية الكبيرة في دعم الأنظمة الرجعية، وخاصة النظام الرجعي في تركيا، لإخماد الانتفاضات الكردية.

إن مصلحة الشعب الكردي تقتضي تعزيز العلاقات مع شعوب المنطقة وقواها الوطنية والتقدمية، وكذلك تعزيز العلاقات مع الاتحاد الروسي ودول بريكس وشنغهاي وألباز والوقوف بحزم ضد نظام أردوغان، وضد قوى الظلام والتكفير الوهابية والإخوان المسلمين (داعش وأخواتها) والتنسيق في محاربة الإرهاب المدعوم من الغرب.

العدد 1105 - 01/5/2024