أطفال مراكز الإيواء في قاع التسرب والجهل

لا شكّ أن مستقبل أي بلد منوط بحاضر أطفاله، لأنه يحمل سماتهم بكل ما فيها من تباينات وتناقضات، فأطفال اليوم هم شباب المستقبل الذين سيبنون صروح الحياة بكل أبعادها، فإذا ما عملت الحكومات على بناء الإنسان منذ الطفولة، ضمنت لبلدها وشعبها المستقبل المشرق والرقي والحضارة، وذلك من خلال منحهم كل احتياجاتهم ومستلزماتهم الحياتية وحقوقهم التي نصّت عليها اتفاقية حقوق الطفل، فقد جاء في المادة 3/1:

1- في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى.

من هنا نجد أن على جميع المعنيين بتنشئة الطفل وتربيته ورعايته أن يمنحوه الرعاية والاهتمام الكافيين، سواء على مستوى الأسرة أو المعنيين بالعملية التعليمية في مراحلها كافة، ومن ثم الهيئات المدنية والرسمية والحكومية، حتى تنشأ الأجيال وهي ممتلئة بكل ما تعنيه الحقوق والواجبات التي تحملها سمات المواطنة الحقيقية للإنسان.

غير أن ما شهدته الطفولة في سورية وما تزال على مدى سنوات الحرب يندى له جبين البشرية والتاريخ، لما لاقته من قتل وخطف وتهجير ونزوح وموت مجاني، وبالتالي عاشت رعباً وهلعاً حقيقيين استوطنا الذاكرة وتشبثا بنسغ الشخصية التي ستحتاج إلى زمن وجهد غير قليلين من أجل أن يتعافى أولئك الأطفال من تبعات الحرب وويلاتها بكل أبعادها.

إن أكثر ما يحتاجه الأطفال في تلك الظروف هو الترفيه والتعليم ولو بالحدود الدنيا، سواء لأولئك القابعين في مراكز الإيواء، أو الموجودين في الأماكن التي تشهد عمليات عسكرية. 

جاء في المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل:

1- تعترف الدول الأعضاء بحق الطفل في التعليم، وتحقيقاً للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجياً وعلى أساس تكافؤ الفرص، تقوم بوجه خاص بما يلي:

أ- جعل التعليم الابتدائي إلزامياً ومتاحاً مجانياً للجميع.

د- جعل المعلومات والمبادئ الإرشادية والتربوية والمهنية متوفرة لجميع الأطفال وفي متناولهم.

ه- اتخاذ تدابير لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة.

3- تقوم الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بتعزيز وتشجيع التعاون الدولي في الأمور المتعلقة بالتعليم، وبخاصة بهدف الإسهام في القضاء على الجهل والأمية في جميع أنحاء العالم وتيسير الوصول إلى المعرفة العلمية والتقنية وإلى وسائل التعليم الحديثة. وتراعى بصفة خاصة احتياجات البلدان النامية في هذا الصدد.

غير أن ما نشرته صحيفة تشرين في عددها الصادر بتاريخ 9/2/2015 يجافي ما تنص عليه تلك المادة، ذلك حيث أن هناك 3000 تلميذ بمراكز الإيواء في محافظة حماة أغلبهم في مرحلة التعليم الأساسي بحاجة إلى معلمين، وكان رئيس فرع الهلال الأحمر بحماة الدكتور فادي عياش قد اقترح فرز معلمين إلى تلك المراكز من أجل متابعة هؤلاء الأطفال وتعليمهم. طبعاً، هذا ليس حال أطفال حماة وحدها، بل هو حالة عامة تشمل معظم الأطفال المقيمين في مراكز الإيواء في المحافظات.

فإذا كان في حماة وحدها 3000 طفل بلا تعليم، فكم هو عدد أطفال سورية المتروكين لقدرهم ومصيرهم وبلا تعليم، تتقاذفهم رياح العبث والجهل والعمالة التي فرضتها ظروف الحرب ومعيشتها السيئة إلى أسر أولئك الأطفال الذين هجروا التعليم وخرجوا إما إلى ميدان العمل أو التسوّل في عمر مبكر، ما يجعلهم عرضة لتخريب المنظومة الفكرية والأخلاقية إذا ما وُجدوا في أماكن خطرة بعيداً عن رقابة الأهل..؟

تنص المادة 32-1 من اتفاقية حقوق الطفل على:

تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل ونموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي.

فهل تلقى هذه الاتفاقية التي صادقت عليها سورية، وتنشر قسماً كبيراً من بنودها على جدران المدارس ولوحاتها الإعلانية كل المصداقية إزاء الواقع المأساوي للطفولة في سورية..؟

أمام هذا الواقع المزري من جهة، وأمام واقع التجمعات الكبيرة للمعلمين الذين فرضت عليهم الحرب ترك أماكن عملهم والالتحاق بأقرب مدرسة من أجل مواصلة العمل والدوام، ألا يمكننا التساؤل لماذا لا يتم فرز هؤلاء المعلمين إلى مراكز الإيواء من أجل أن لا ينقطع الأطفال المقيمون في تلك المراكز عن دراستهم..؟ فهناك العديد من المعلمين الذين يتقاضون رواتبهم وهم في بيوتهم لأن لا مكان لهم في المدارس الموجودة بحكم الأعداد المتزايدة منهم، والبعض الآخر لأن له من يحميه ويسنده، يقبع في بيته وكأنه خارج سيرورة ما يجري في الواقع دون أدنى محاسبة وظيفية أو أخلاقية.

ثمّ، لماذا لا تُخصص بعض المدارس فور انتهاء الدوام فيها قاعات لتعليم أولئك الأطفال؟ ألا يمكننا استغلال المراكز الثقافية بقاعاتها الضخمة والمتعددة..؟ وحتى ضمن مراكز الإيواء ألا يجب أن يُخصص عدد قليل من الغرف لتدريس الأطفال..؟

صحيح أن بعض منظمات المجتمع المدني تقوم بحملات تدعيم نفسي وترفيهي لأولئك الأطفال، وحتى بعض المنظمات الشعبية الرسمية أيضاً تقوم بزيارتهم ومنحهم الهدايا وما شابه، إلاّ أن كل هذه الجهود تضيع سدىً أمام بقاء الأطفال خارج إطار استمرارية التعليم بشكله الرسمي والمنتظم.

فهل لوزارة التربية أن تولي هذا الموضوع الأهمية اللازمة والضرورية من خلال التعامل المجدي واستغلال الفائض الكبير من المعلمين المحشورين في مدارس لا مكان لهم فيها، من أجل تجاوز ما يمكن تجاوزه من تداعيات التسرب المدرسي لتلك الأعداد المتزايدة من التلاميذ على مساحة سورية..؟

العدد 1105 - 01/5/2024