عندما يغضب الصرَّاف الآلي..!

عندما يقترب موعد (قبض) الرواتب للعاملين في مؤسسات الدولة وللمتقاعدين، تتسارع دقات القلوب ويرتفع الضغط الشرياني عند أصحاب القلوب (المفتوحة)، وعند الذين رُكّبتْ لهم شبكات لتسهيل جريان الدماء في عروقهم..

ويبدأ مشوار المتاعب والمزاحمة.. ويمكن أحياناً أن تحدث مشاجرة على الدور. والوقوف أمام الصرَّاف كالوقوف أمام الفرن أو تحت مظلات مواقف باصات النقل الداخلي.

هناك من ينسى رقم بطاقته السري فيؤجل القبض إلى يوم آخر.. وهناك من يطلب من غيره أن يستخدم بطاقته للحصول على راتبه.. وهناك أيضاً –  وهذا ما حصل وتكرر كثيراً، من يأتمن شخصاً ويثق به، فيخونه ويقبض الراتب ويهرب،  ويرمي البطاقة في وجه صاحبها..

ومن الحالات التي تتكرر، خاصة أن التيار الكهربائي غير منتظم، أنني بعد أن وضعت البطاقة وحددت الرقم المطلوب انقطعت الكهرباء، وابتلع الصرَّاف البطاقة وبقيت النقود في بطن الحوت.. وبدأ مشوار المتاعب ومراجعة المسؤولين.. وهكذا بقيت على هذه الحال و(يا مدبّر الأحوال) طيلة شهرين كاملين حتى حصلت على راتبين .. وقدمتُ شكري للصرَّاف الذي أطال المدة ووفر لي نقودي ..!

وفي أشهر أخرى ينتظر العاملون أياماً للحصول على أجورهم.. ويبدو أن هناك خللاً ما إما في الصرَّاف نفسه أو فيمن يشرف عليه..! ولكن الحكومة –  والشهادة لله – كريمة، فهي ما تزال تضخ من الـ 500 الجديدة رغم ارتفاع الدولار واجتيازه عتبة 267 ليرة… أليس ما يحدث كوميديا سوداء؟ وقال مهتمّ بالأدب الساخر: الكوميديا السوداء تُقدّم بقالب ساخر يعكس أوجاع المواطن المعيشية والسياسية والاجتماعية، والصرَّاف الآلي أكثر من يهتم بحياة الفقراء والكادحين..!

ومن جهة ثانية يدخل الصرّاف الآلي ضمن هذا الأدب، ويمكن أن يصبح في المستقبل القريب اسماً هاماً في تاريخ الأدب الساخر في العالم العربي، لأنه يحمل مورثات الفرح والحزن.. الفرح عندما يقترب موعد استلام الراتب، والحزن عندما يتلعثم الصرَّاف ولا يستطيع أن يعبّر عن رأيه بجرأة..!

ويكرر المتقاعدون حكاياتهم مع هذا (الدخيل الجديد) على حياتهم.. ويتمنّى بعضهم أن يعودوا إلى استخدام البطاقات واستلام تقاعدهم من البريد أو من مصرف التسليف الشعبي، بعيداً عن ما يجري من إرباكات هم بغنى عنها..!

حاولت أن أجرى استبياناً للرأي، وسألت عدداً من المتقاعدين من الذين يداومون جلوساً على مصطبة بيتونية، تطلّ على الشارع الرئيسي .. فضحك أحدهم، ويبدو أنه من المهتمين بالأدب الساخر والمدمنين على حفظ النكات الساخرة، أخرج من جيب سترته ورقة من صحيفة (الوسط) البحرينية، مؤرخة في تموز 2009 العدد 2491 . ولم يدّعِ الرجل أنها من تأليفه، بل قال صادقاً: هي قصيدة بعنوان (الصرَّاف الآلي) للشاعر حسن السبع من (القطيف) بالسعودية، وأسمَعنا منها المقطع التالي:

لولا الحياءُ لهاجني استعبارُ

لمَّا جفاني الينُّ والدولارُ

ووقفتُ أسألُ عن رصيدي آلة

صمَّاء تقطفُ جوفها الأخبارُ

فترددتْ خجلاً وعُدتُ أحثّها

فتراقصت في الشاشة الأصفارُ

هي رأسُ مالي منذ أصبح شاغلي

علمُ العروض و(بزنسي) الأشعارُ

العدد 1105 - 01/5/2024