عقب عام على تشكيلها.. حكومتنا تعثرت بقرارتها!

من السهولة بمكان تقييم عمل الحكومة عقب عام كامل على تشكيلها، ومن الممكن رسم خط بياني توضيحي لأدائها البطيء، وغير اللافت، والمتأرجح. كما يمكن وضع نقاط القوة التي كنا نتمنى أن تعززها هذه الحكومة، وأن تعمل بكل جدية لمعالجة الثغرات والسلبيات التي تعاني منها، وجعلها نقاط قوة وارتكاز. هذه الطموحات كانت تصلح لليوم الأول لما بعد تشكيل حكومة وائل الحلقي في آب 2014 إلا أنه عقب عام مضى من عمر الحكومة، بات من الملحّ وضع أدائها في ميزان التقييم، وكسر حاجز الصمت الذي تلتزم به الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام تجاه أداء الوزارات. حكومتنا التي كنا نتمناها أن تكون حكومة حرب بامتياز، يُسجّل عليها أنها لم تتمكن من وضع ما يناسب هذه التسمية، وفشلت في إقناع الناس، كيف تكون حكومة الحرب؟ وما هو دورها؟ وما هي مهامها؟ للوهلة الأولى يظن المرء أن ما قدمته الحكومة اصطدم  بالواقع الحالي، والأزمة الراهنة، وهما سببان كفيلان بتعطيل العمل الحكومي، وتأجيل تطبيق الخطط. لكن هذا الموقف كان يصلح في عام الأزمة الأول ( 2011) أما عقب ذلك فلم يعد هناك ما يقنع بأن الحكومات المتعاقبة، يجب عليها التلطي خلف شماعة الأزمة لتبرير تقصيرها، وكَيْل المديح لذاتها. فبعد العام الأول من الأزمة، باتت الأمور واضحة، والتوقعات حول اتجاه تصاعدها صارت أقرب إلى الواقع، وهذا يعني أن كل من تبوأ منصباً في الفترة الممتدة من آذار2012 حتى الآن يعي تماماً كل المخاطر والتحديات التي تواجه العمل، وبالاستناد إلى هذه الفرضية، بات لزاما علينا ألا نقبل، وأن نرفض قطعياً كل ما يتعلق برمي الكرة في ملعب الأزمة الراهنة، أو الاتكاء على ما يجري من دمار وحرب طاحنة لتبرير فشل هنا وتقصير هناك. كل المسؤولين السوريين يعلمون يقيناً أن الأزمة الراهنة تحتاج إلى أداء مختلف، ومن قبل منهم تسلّم مهمة معينة، عليه مسبقاً أن يضع نصب عينيه أن الحرب تعطّل الحياة الاقتصادية، وتشلّ الحياة الاجتماعية والثقافية، وتنحي جانباً إلى حد كبير الشأن السياسي.

ما يهمنا هنا ما قدمته الحكومة بالشأن الاقتصادي، وما يتعلق بالمستوى المعيشي للناس، ودورها في تعزيز الخدمات الأساسية للمواطنين، ومدى التزامها بالرعاية الاجتماعية والإنسانية في الظروف الراهنة التي برزت الحاجة الملحة لتعزيزها. وهنا يبرز السؤال: هل نجحت الحكومة في تقديم ما هو إيجابي في هذه المجالات؟ نجانب الصواب جداً لو كانت الإجابة بنعم، عن هذا السؤال، فما يشعره المواطن، وما ينطق به الواقع، ومايعبر عنه الاقتصاد في محاوره المختلفة، يؤكد أن الحكومة في معظم الأحيان، عبر قراراتها الرديئة، كانت منفصلة عن الواقع، ولم تلتزم بالحد الأدنى من المعايير التي تحكم عمل الحكومات التي تتصدى للمهمات الجسام، وللمشكلات الصعبة في الظروف القاسية.

المحروقات أنموذجاً، فحكومتنا لم تتمكن من اتخاذ موقف يسهم في معالجة ملف مؤجل منذ سنوات يتعلق بسعر المحروقات، ولم تجب عن سؤال جوهري: هل الاقتصاد المحلي قادر على الصمود وخلق التنمية بأسعار طاقة رخيصة أم مرتفعة؟ الواضح أن التخبط، وعدم الدراية كانا سيد الموقف في هذا المجال، فالطاقة خلال الشتاء المنصرم، كانت الشغل الشاغل للناس، والتحدي الأكبر الذي وقف أمامه كل المسؤولين، فلا الأسعار الرخيصة تمكنت من تحقيق أهداف معينة، ولا الأسعار المرتفعة خلقت أجواء ارتياح لجهة توفر المواد البترولية. وهنا يتبادر إلى الذهن، هل توجد حكومة فاعلة، ولديها رؤية واضحة تفشل في تحقيق أهداف متضاربة، وتتخذ قرارات متناقضة، ولا تتمكن من حل المشكلة الرئيسية التي تقف في وجه الاقتصاد الوطني والناس؟ الفشل الحكومي في هذا الملف يوازي في تداعياته آثار الحرب التي تتعرض لها البلاد، فعندما أقرت الحكومة أسعار طاقة أعلى من الأسعار العالمية كان مفترضاً أن تُحل مشكلة المازوت والبنزين، وأن يقطع دابر التهريب والاستحواذ والاحتكار، وبلع المواطن هذا الدواء المر مرغماً، لكن النتائج الإيجابية المتوخاة لم تتحقق، والوعود لتسويق القرار ظلت وعوداً، والأسباب التبريرية لم تكن كافية عند اصطدامها بالواقع. وهنا يسجل على الحكومة تراخيها المقيت في معالجة السلبيات التي واجهت هذا الملف، والتزامها الصمت.

بالمسطرة ذاتها نقيس أداء الحكومة لجهة تحريك أسعار مادة الخبز، والمضحك المبكي أن حكومتنا التي تعاني كما المواطن، تجاهلت الكثير من المطارح التي تمكّنها من جني بعض الأموال في حال ولوجها. لكنها فضّلت المساس بالأمن الغذائي الوطني، وذهبت إلى المناطق المحرمة لاسيما في الأزمة الراهنة، فالفشل الذريع في خفض الأسعار، والظروف المعيشية الصعبة والقاهرة التي يعاني منها المواطن، لم تشفع لترك أسعار الخبز كما هي. بينما اتكأت الحكومة على زيادة كميات الاستهلاك، لتبرر قرارها غير المرغوب شعبياً. وفي مجال دعم الإنتاج الحقيقي، الزراعي والصناعي، بدت كل مواقف الحكومة وإجراءاتها غير داعمة لهذين القطاعين اللذين يشكلان جناحاً التنمية في البلاد، بدليل ما يظهر من تصريحات من ممثلي القطاعين المذكورين، ومطالبهم غير المحقّقة، والوعود التي أُطلقت دون أن تجد لها آذاناً مصغية. أي حكومة تقنع الفلاح على المزيد من الصمود والثبات، وهي التي تضع العوائق أمامه؟ لم تؤمّن الحكومة المحروقات لزوم الزراعة، والطامة الكبرى أنها حددت سعراً للمنتجات الاستراتيجية أقل من الكلفة الحقيقية (الشوندر السكري)، وأقل من الأسعار العالمية (القمح)، فيما الخضار والفواكه، لاسيما الصيفية، متروكة للقدر وللخسارة المحققة.

 لانريد نبش حالة التردي الإداري، وانتشار الفساد، وظهور حالات جديدة من الابتزاز والبيروقراطية، لأنها لا تحتاج إلى دليل إضافي يعبر عنها، فهي ظاهرة للعيان، ومثبتة بما يقطع الشك باليقين.

حكومتنا في عامها الأول، لا تحتاج إلى شهادة من أحد، فأعمالها، وما قدمته، ومدى قربها من المواطن، تعبر بدقة وموضوعية، على أنها حكومة صدرها ضيق، ولا تقبل النقد، ولم تك حكومة حرب، ولا يشفع لها أن الظروف غير مواتية لعملها، فالحكومات الناجحة هي التي تغير الظروف، لا التي تكون راضخة لها.

العدد 1105 - 01/5/2024