تعديل قانون الجنسية بين الحلم والواقع

مرّة أخرى يعود الحديث عن تعديل قانون الجنسية الذي أخذ من الجهد والوقت ما لم يأخذه قانون آخر سوى قانون الأحوال الشخصية، فقط لأنه متعلّق بحقوق المرأة التي نصّ عليها الدستور من جهة، وأهدرتها القوانين التمييزية والقيم الاجتماعية والدينية من جهة أخرى.

فقد ذكر موقع (دمشق الآن) قبل فترة أن مصدراً مقرباً من الحكومة السورية أكّد له أن الحكومة بصدد تعديل وإصدار قانون جديد للجنسية السورية، بعد أن قُدمت دراسة جديدة للقانون تتضمن السماح لأبناء السوريات (المولودين من أم سورية وأب أجنبي) بالحصول على الجنسية السورية بعد أن كان القانون لا يمنحهم ذلك الحق.

كما عاد الموقع ذاته ليؤكّد أن السيد أنس الشامي عضو مجلس الشعب صرّح لقناة (تلاقي) التلفزيونية، بأنه من حق المرأة السورية التي تتزوج من أجنبي أن تمنح الجنسية لأبنائها، لكن هناك مشكلة وحيدة وهي الفلسطينيين المتواجدين ضمن سورية، وحق اللجوء، حيث أن العدو الإسرائيلي يرغب في تجنيس الفلسطينيين في الشتات، والقيادة السورية تأبى منح هذا الحق للحفاظ على حق العودة.وأضاف الشامي قائلاً: قدّمنا في الدور التشريعي السابع مقترحاً لإعطاء المرأة السورية حق منح جنسيتها لأبنائها ما عدا الفلسطينيين، لكن دخول سورية في الحرب ضدّ الإرهاب أجّل هذا المقترح. وتابع قائلاً: سأتقدم بمشروع قانون تحت قبة البرلمان في أول جلسة، وسأحاول إقناع أعضاء مجلس الشعب به.

وتأكيداً لما صرّح به السيد أنس الشامي، فقد طرح موقع مجلس الشعب على موقعه الالكتروني تصويتاً يتعلق بمنح المرأة السورية المتزوجة من غير السوري في خطوة تبدو للعلن اهتماماً بمسألة تعديل قانون الجنسية بما يخدم المرأة السورية وأبناءها، في حين أن المجلس نفسه أجهض مشروع القانون ذاته في العام 2012 بعد أن تمّ تحويله للمجلس من قبل اللجنة المكلّفة من قبل الحكومة بدراسة القرار بعد توجيه من السيد رئيس الجمهورية.

إن طرح هذه المسألة الشائكة للتصويت الالكتروني على موقع مجلس الشعب، ربما كان حركة وهمية تعتمد على تصويت قد لا يفي بالغرض لعدة أسباب أهمها:

أولاً- أن التصويت الإلكتروني بحد ذاته تصويت غير شفاف بسبب إمكانية الشخص التصويت لأكثر من مرّة على قبول أو رفض الفكرة المطروحة للتصويت، ربما بهدف إلى ترجيح الكفة لمصلحة أفكاره.

ثانياً- ما مدى إمكانية وصول كافة الفئات والشرائح للموقع المذكور والتصويت على الموضوع، بغض النظر عمّا ذكرناه أعلاه؟

ثالثاً- هناك العديد من الناس الذين لا يدركون جيداً حجم معاناة أُسر وأبناء السوريات المتزوجات من غير سوري، وبالتالي من الممكن أن لا يخدم تصويتهم القضية المطروحة والهامة.

رابعاً- وهو الأهم، أن مجلس الشعب سلطة تشريعية أعضاؤها نوّاب عن شرائح المجتمع كافة من جهة، ومن جهة أخرى له الحق بتعديل وتغيير الكثير من القوانين والتشريعات التي تهمّ شرائح مختلفة في المجتمع، وبالتالي لا يحتاج إلى تصويت الناس على قضية ما ليتخذ قراره بشأنها.

من هنا، أعتقد انه يجب العودة إلى:

– الحملة الوطنية التي أطلقتها رابطة النساء السوريات لتعديل قانون الجنسية السوري ما بين عامي 2003- 2010.

– مشروع القانون المُعد من قبل الاتحاد العام النسائي والمتضمن تعديل المادة 3 من قانون الجنسية.

– جواب وزارة العدل على المذكّرة التي رفعتها رابطة النساء السوريات أثناء الحملة المذكورة أعلاه:

(إن التعديل المطلوب لقانون الجنسية هو خطوة هامة لوضع حد لمعاناة المرأة السورية وأولادها، لذلك لا بدّ من التعديل وفق معروض الرابطة).

وزير العدل- 17 حزيران 2006.

– توصيات اللجنة المكلّفة بدراسة تعديل بعض المواد التمييزية في القوانين السورية، وأهمها مقترح لمنح الجنسية السورية لأبناء المرأة السورية المتزوجة من غير سوري، ليصبح القانون متوافقاً مع الدستور السوري وبما لا يتعارض مع الاتفاقيات والمعايير والمعاهدات الدولية. تلك التوصيات التي جرى طمس معالمها دون معرفة ما ستؤول إليه جهود تلك اللجنة.

كما يجب على مجلس الشعب أن يكون على قدر المسؤولية المنوطة به في إنصاف الشرائح المتضررة من التمييز الموجود في قانون الجنسية السوري، والتي تعيش قصصاً مأساوية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ يصعب وصفها والوقوف الحقيقي على معاناة غير إنسانية وغير لائقة بحق المرأة السورية وأبنائها الذين لا يعرفون وطناً آخر غير سورية.

العدد 1105 - 01/5/2024