الشللية تقتل الإبداع

يبدو أن الأمراض الوبائية والجائحات المرضية، لم تقتصر فقط على جسم الإنسان والضرر به، بل ربما تجاوزت ذلك لتصل إلى عقله وتطلعاته الفكرية والثقافية، إذ كثيراً ما نشاهد ونتلمَّس نتائج الكتل والشلل والنزعات الثقافية التي تنتشر على مساحة واسعة في المؤسسات الثقافية، الأمر الذي جعل أكثرية أعضاء ذلك الجسم تتداعى من تلك الشللية. لعل طرح المشاكل الثقافية ومضار التكتلات في المدح والوصف والتمجيد والتفخيم يجعل المضمون فارغاً من القيمة المعرفية، وتبدو واضحة بأشكالها المختلفة في المهرجانات والمؤتمرات والندوات وورش العمل، التي تتضمن شخصيات ثابتة أصبحت في عداد الروتين والبيروقراطية، فهناك محسوبيات شكلت ضرراً على بعض المواهب الصاعدة، ووقفت حاجزاً أمام المبدعين وأصحاب المواهب الأدبية، فدخلوا سن الشيخوخة وهم ينتظرون الفرج من الفساد الإداري الثقافي، والرؤية الواحدة بدرجة رؤية لا تتجاوز درجاتها في الإدراك من أصابع اليد الواحدة، فهي تنشر الأمراض الثقافية والإعلامية نتج عنها الفساد والمحسوبيات. إن بعض المسؤولين الإداريين يجعل من دائرته ملكية شخصية، لا يقطف ثمارها سوى المقرّب، وربما الموالي لأفكاره، إن كانت صائبة أم مضللة، فيجمع حوله من يحب، ومن يعمل خلفه، ويصبح المكان مأسوراً بشفاعته، تحت مسمى (ثقافة المحاصصة) في توزيع الغنائم، حتى إن الثقافة التي يفترض أن لا تقبل تلك الأفكار لأنها قائمة على الفعل والقدرة في الأداء والتراكم الثقافي الكمي في إطار التخصص، فإن الشللية والمحاصصة تفرضان دخول عناصر الأدب في التاريخ، ودخول عناصر الأدب في الإعلام، ودخول عناصر أخرى من متفرقات مختلفة، حتى لو كان المرء يملك ثقافة كبيرة فإن جائحة التشلّل تنعكس سلباً على أصحاب الاختصاص، وتترك أثراً ضمنياً مخالفاً لأهداف الثقافة الوطنية وما تنشره بين فئات المجتمع لتطوير مفهوم الفكر والشخصية.

إن ارتباط الأشياء بالأشخاص يجعل القيمة المعرفية قائمة على أحادية الرؤية، فتقع في مطب تكرار المكرر الفاقد لعنصري القيمة والدهشة.

مهرجانات كثيرة تأخذ في طياتها النزعة الفردية والمحسوبيات، وكان آخرها مهرجان سلطان باشا الأطرش الأول، وقبله مهرجان الشعر الشعبي الأول بالسويداء، وكذلك احتفالات لوسائل إعلامية مختلفة.. وتشتمُّ منهم رائحة الأنا المتضخمة في التفخيم والتبجيل، في الشعر والبحث، والنقد، والأداء..

إن التطلع نحو المستقبل يجب أن يكون في تقديم الكفاءات الثقافية وليس الكفاءات الروتينية القائمة على البيروقروطية، وجمالية البحث في التجديد والتنوع، والوحدة المتكاملة لا تكون إلاً بالتنوع، والمتغيرات المستمرة تمنح العمل الفكري والثقافي رؤية ذهبية قائمة على تجربة جديدة تنشر عبقاً متجدداً في البحث والنتائج..

أخيراً أصبحت هذه الجائحات ذات الزمرة الواحدة في الثقافة والإعلام مرضاً وسريع الانتشار، وهي تحتاج إلى معالجة ناجعة، كي لا تصبح سرطاناً يصعب علاجه إلا بالاجتثاث والموت…فهل ننتظر لتخترقنا خلايا الوباء الثقافي..ذي النزعة الواحدة والفردية المتضخمة في الأنا الذائبة بدائرة الرؤية التقليدية؟!

العدد 1107 - 22/5/2024