عندما نقول للطفل: «لا أحبك»!

يعاني مجتمعنا السوري اليوم من وباء يسعى إلى تفتيت العلاقات داخل الأسرة، ويمتد تأثيره ليشمل حياة الأطفال خارج نطاق البيت. ما هو هذا الوباء الذي يؤدي إلى خلق جو من عدم التوافق بين الآباء وأولادهم، ولماذا نجد العديد من الأطفال في الشوارع وفي الحدائق العامة منغلقين على أنفسهم ويرفضون التحدث مع أحد؟!

من المعروف بأن كل إنسان يولد بروح ونفس وجسد، وبينها علاقات متداخلة، فالروح هي الوجود العميق للإنسان، المماثل للضمير؛ كما أن أعمق العلاقات وأصدقها تقام على مستوى الروح، حيث تبنى الصداقات ويتمتع الناس بصحبة بعضهم البعض بدون أية كلمات، أما النفس فهي تشمل العقل والإرادة والعاطفة، بينما الجسد هو كياننا المادي. والثلاثة معاً يشكلون الشخص كاملاً، النفس والجسد موجودان داخل الروح، لذلك عندما يغضب الإنسان أو يحزن فإنه ينطوي على نفسه ويتجنب التواصل مع الآخرين، والسبب الرئيسي هو شعوره بالرفض من قبل الآخرين وهنا يقول الأخصائيون بأن الروح أصبحت مغلقة، لأن المخزون العاطفي للإنسان أصبح فارغاً فجأة.

 سامر طفل عمره 7 سنوات، دخل ذات يوم إلى المنزل وهو يبكي ويصرخ بشدة، ولكن الأم التي كانت تتحدث على الهاتف، ما كان منها إلا أن نهرت سامر ودفعته بشدة كي يبتعد عنها قائلة: لا تصرخ هكذا عندما أتحدث على الهاتف، اذهب إلى غرفتك، أنا لا أحبك…

نهض سامر من على الأرض، وذهب إلى غرفته وهو يبكي بشدة، عادت الأم لتتحدث مع ابنها بعد أن أنهت مكالمتها الهاتفية، لكن سامر رفض التحدث معها وانغلق على نفسه، حاولت الأم معانقته ولكنه رفض أن تقترب منه، وبعد محاولات عديدة من الأم وافق سامر على الاقتراب من والدته وأخبرها بأنه كان يبكي لأنه وقع في الشارع أثناء خروجه من المدرسة فجرحت يده، وعندما دفعته وقع على نفس اليد المجروحة فزاد شعوره بالألم، الأمر الذي أدى إلى انغلاقه على نفسه ورفضه التحدث مع والدته حتى رفض أن تلمسه.

يعيش الأطفال يومياً العديد من المواقف التي تنتهي باستخدام الآباء كلمة (اذهب عني أنا لا أحبك)، الأمر الذي يؤدي إلى انسحاب الطفل وانطوائه، وهذا ما نسميه بالروح المغلقة، وكلما زاد انغلاق روح الطفل نجده يسعى لمصادقة أطفال مختلفين عن تربيته وعن بيئته كي ينسى الألم الذي يشعر، يغضب بسرعة ولأبسط الأسباب، يبكي بشدة، يستخدم لغة و تعابير غير لائقة، قد يلجأ إلى التدخين و شرب الكحوليات والمخدرات، أو قد يهرب من المنزل أو يقدم على الانتحار، الخ…

هذا ما ينتج عن العلاقة السلبية بين الآباء والأبناء، ولكن الأمر يكون خطيراً لدى الأطفال الصغار الذين يحتاجون إلى الكثير من العواطف المادية مثل اللمس والاحتضان، مثلاً: الأب الذي يكون قاسياً في معاملته مع ابنته ولا يعبر عن محبته لها بل على العكس يبين رفضه لها، هذا الأمر سيؤدي إلى بحثها بعيداً عن أمها وأبيها لمن يملأ الخزان العاطفي لديها، وبالتالي يلتقط الفتيان هذه الحاجة لديها ويجري استغلالها بسهولة، أما عندما تكون علاقتها مع أبيها وأمها متينة وروحها مفتوحة وتوجد لديها نسبة صحيحة من العاطفة، فإنها غالباً ما تكون لديها الرغبة والطاقة للحفاظ على قيمها الأخلاقية.

للأسف هناك بعض الآباء في مجتمعاتنا الشرقية يعتقدون أن احتضان أبنائهم والتعبير عن محبتهم لهم هو شيء غير رجولي، وبالتالي يكونون سبباً في انغلاق أطفالهم ورفضهم لأي محبة، ويؤكد (د.روس كامبل) المحلل النفسي المتخصص في العمل مع الأطفال، بأنّ نقص تعبير الآباء عن مشاعرهم لأولادهم يؤدي إلى انخراط الأطفال مستقبلاً في علاقات جنسية شاذة.

ويوضح بأن روح الأطفال تبقى لينة لعدة سنوات، فحين يغضب الطفل يكون مستعداً لمصالحة والديه أو البالغين بسرعة، ولكن النتائج تكون مدمرة إذا لم يكتشف الوالدان بأن روح طفلهما قد أغلقت.

في جو الحياة العائلية اليومية، من المستحيل ألا يغضب أفراد الأسرة بعضهم من بعض، فغالباً ما يحدث شيء ما يومياً يضايق أحداً ما، ولكن الحل يكون بإيجاد طريقة مناسبة للحفاظ على المخزون العاطفي لكل فرد ممتلئ فإن تراكم المضايقات ونقص التعبير عن العواطف من قبل الوالدين قد يبني جداراً كبيراً يسد على الروح طريقها، لذلك من السهل جداً إعادة فتح روح الطفل وهي مغلقة بسبب مشاكل صغيرة وبسيطة من الانتظار حتى نعيد فتحها وهي في حالة سيئة مستقبلاً.

في إحدى الدراسات سُئلت مجموعة من الأطفال عن الطرق التي من الممكن أن يسبب بها الآباء الإساءة لأولادهم، فكانت الإجابات كالتالي:

1. كسر الوعود والاتفاقات.

2. لا يقولون أبداً (نحن نحبك).

 3. الانتقاد الظالم.

4. التكلم بلا مبالاة.

5. قولهم بأن آراء الأطفال غير مهمة.

6. انتقادهم لأغلاط الأطفال بقسوة.

7. لا يقولون (شكراً) أبداً.

8. يقومون بالتصرفات التي يمنعون الأطفال من القيام بها.

9. قول (لا) بدون توضيح الأسباب.

10. معاقبة الأطفال بقسوة على شيء لم يفعلوه.

11. الإحساس بفارق كبير بين ما يقال وبين تعبيرات الوجه.

12. عدم قضائهم أي وقت مع الأطفال لفهمهم.

13. تجاهل أطفالهم وعدم تقديمهم للضيوف.

14. السخرية من آمال وأحلام وإنجازات الأطفال.

15. معالجة المشاكل الحالية عن طريق عرض الأغلاط القديمة.

وهنا يسأل الآباء بدورهم: ما هو السبيل لإعادة فتح روح الطفل المغلقة؟!

1. أن تكون حنوناً: إن الرقة والحنان هي الوسيلة الوحيدة لإذابة الغضب.

ينصح الأخصائيون بأنه عندما نحاول فتح روح شخص ما، فإن لغة أجسادنا، عضلاتنا، تعبيرات وجوهنا ونبرات صوتنا يجب أن تصبح رقيقة، محبة، بهذه الطريقة نؤكد للطفل بأنه:

(أ). غالي ومهم، وذلك بالاقتراب منه ببطء ورؤوسنا محنية ونحن نشعر بحزن حقيقي بأننا آذيناه.

(ب). نعترف بأننا أخطأنا ونطلب منه المسامحة.

(ج). أن نكون مستعدين للإصغاء إليه بصدق، كي يشعر بالأمان ليشاركنا مشاعره، مع التأكيد بأننا لن نؤذيه مرة أخرى.

2. أن تكون متفهماً: جميع الأطفال بحاجة لوجود شخص يتفهم مشاعرهم وكيف تجرح. قد يشعر الطفل بالإساءة البالغة في العائلات ذات العائل الواحد أو العائلات المتداخلة بسبب زواج أحد الأبوين من شخص آخر، وفي الكثير من الأحيان نجد الطفل يلقي اللوم على نفسه بسبب الطلاق، إلخ…

كآباء نستطيع أن نطلب من أولادنا أن يساعدونا في فهم مشاعرنا باستخدام أسئلة مثل: (إذا كنت أرنباً، ماذا كان سيحدث بعد ما فعلته معك؟!)، أو (إذا كنت قطعة نسيج، ماذا سيكون شكلك؟!)، أو (أعطني لوناً واحداً يصف ما تشعر به الآن)، عادة إذا أعطينا أولادنا الوقت والتشجيع فقد يستطيعون وصف مشاعرهم بدقة ووضوح.

من المؤكد بأن جميع الآباء يحبون أولادهم، ولكن هل يعبرون عن محبتهم بطريقة صحيحة، إن اعتماد القسوة في تنشئة الأبناء هي المدمر الأساسي للعلاقة الإيجابية داخل الأسرة، فلذلك من واجبنا كآباء ومربين أن نهتم بفتح الروح المغلقة لأي طفل كي لا نكون حجر عثرة في طريقه مستقبلاً.

العدد 1107 - 22/5/2024