جنبوا شبابنا مخاطر الفقروالتهميش والهجرة

أربع سنوات مرت على اندلاع الأزمة السورية.. أربع سنوات في مواجهة الإرهاب الممنهج الذي سعى إلى تدمير البنى التحتية والاقتصاد الوطني، والذي انعكست آثاره على مختلف فئات الشعب السوري وخاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة، التي تدفع الثمن دائماً.

المواطن السوري حورب بلقمة عيشه وبأبسط حقوقه الإنسانية منذ بداية الأزمة، إذ فرضت هذه الحرب ظروفاً اقتصادية استثنائية، فدمّرت المعامل والمصانع، وفرض على البلاد حصار اقتصادي ظالم، وعمل الإرهابيون على تقطيع أوصال البلاد، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. والمسألة لم تقتصر على ذلك، إنما ظهرت مشكلة أخرى وهي مشكلة الاحتكار والتلاعب بالأسعار، فتجار الأزمة مارسوا دوراً ضاراً لا يقل ضرراً عن الإرهابيين، فعلق المواطن بين براثن الإرهاب العسكري والسياسي المفروض علينا من جهة، والإرهاب الاقتصادي الداخلي وأبطاله الفاسدين والمرتشين واللاعبين بالأسواق من جهة أخرى.

وفي ظل غياب رقابة الحكومة على الأسواق، ودورها السلبي في ضبط الأسعار وتوفير السلع الأساسية للمواطن بالأسعار المناسبة، وفي ظل تراجع الأجور الحقيقية للعاملين رغم الارتفاع الهستيري للأسعار الذي وصل لعشرات الأضعاف في بعض السلع، نجد الفئات الفقيرة والمتوسطة خاصة تقف على شفير الهاوية مما أجبرها على اتخاذ إجراءات لتتكيف في مواجهة وضعها الجديد، وبدأ التقشف ابتداء بالطعام والشراب واللباس، وأصبح التخلي عن الكماليات والسلع غير الأساسية أمراً بديهياً، ولجأ رب الأسرة إلى محاولة إيجاد فرص عمل جديدة بعد عمله الأساسي علها توفر مزيداً من الدخل.

وتولدت نتيجة هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية مشكلات اجتماعية عديدة، فارتفعت معدلات الفقر إلى نسب غير مسبوقة، وازدادت نسبة البطالة إلى نحو 56%، وانتشرت عمالة الأطفال، وتسرب التلاميذ والطلاب من مدارسهم وجامعاتهم، ولجأ البعض إلى الأعمال غير المشروعة ومنهم من وقع في المحظور، وانتشر الفساد والرشوة في العديد من المفاصل الرئيسية.

وبما أن الشباب هم الركن الأساسي في المجتمع فإن تأثرهم بالأوضاع الاقتصادية للبلاد ظهر جلياً وبات حل مشكلاتهم أمراً لا بد منه، فمعظم الشباب اليوم يضطرون إلى ترك دراستهم الجامعية من أجل العمل لتأمين متطلباتهم، وفي أحسن الأحوال يجبرون على الجمع بين الدراسة والعمل المرهق لساعات طويلة، مما ينتج عنه التراجع بالمستوى الدراسي وتأخر تخرجهم، أو قد يلجؤون في آخر الأمر إلى الهجرة خارج الوطن وبطرق غير مشروعة مليئة بالمخاطر.

لقد تقلصت متطلبات الشباب إلى الحد الأدنى، كتأمين الطعام واللباس المقبول، وبات ارتياد المقاهي، السينما أو المرح نوعاً من الرفاهية الزائدة، أما الارتباط والزواج وتأسيس أسرة فهي أحلام لا يجرؤ شبابنا حتى على تخيلها، وامتلاك منزل صغير ومتواضع من سابع المستحيلات.

إن الوضع الاقتصادي المتدهور لفئة الشباب مارس تأثيره على المجتمع بأكمله، فكلما ابتعد الشباب عن الدراسة وانهمكوا في تحصيل قوت عيشهم همشوا نشاطهم السياسي والاجتماعي والثقافي، وبالتالي أصبحوا أكثر عرضة لتقبل الأفكار البالية وفي كثير من الأحيان المتطرفة، مما يؤدي إلى خسارة جهود هؤلاء الشباب ودورهم في البناء الحضاري لسورية. إن معالجة مشكلات الشباب هي من صلب مهام الحكومات، صحيح أن بلادنا تمر بمرحلة استثنائية، لكن هذه المشكلات ستؤدي إذا لم يجري علاجها إلى عواقب سندفع ثمنها.

لذا يجب أن يكون من أولويات الحكومات تأمين فرص عمل للشباب عن طريق تشجيع القطاعات المنتجة لتوليد هذه الفرص، وتأمين القروض الطلابية لأكبر شريحة ممكنة وتسهيل إجراءاتها، وتوجيه الشباب نحو المشاركة في الحياة السياسية وتكريس أهمية العمل النقابي لديهم من أجل المطالبة بكامل حقوقهم. جنبوا شبابنا مخاطر الفقر.. والتهميش.. والهجرة.. تمسكوا بهم فهم من سيبني سورية المستقبل الديمقراطية.. العلمانية.

العدد 1105 - 01/5/2024