الإرهاب الاقتصادي والعلاج الغائب

كل يوم يفاجأ الشعب السوري بخضّات مفاجئة وغير متوقعة نتيجة انعكاسات غير عقلانية لمؤشرات الأسعار ولسعر الليرة مقابل الدولار، في ظل استمرار تخفّي أغلب أصحاب القرار بالحرب القاسية على سورية وما خلفته من تدمير وحصار وتلخبط أغلب المؤشرات والموازين الاقتصادية، ما دفعنا إلى كتابة هذه المقالة الارتفاع الأخير لسعر الدولار بضربة مفاجئة وبقفزات خيالية، فتخطى سعر الدولار أربعمائة وستين ليرة للدولار الواحد، وترافق ذلك برفع للأسعار إلى مستوى جعل أغلب الشعب السوري غير قادر على تلبية الحاجات المعيشية المتقشفة أصلاً، وكلنا يعرف أنه بظروف ترك الدولار لحرية السوق فإن أي انتصار أو إنجاز الحرب ينعكس إيجاباً على سعر الدولار ويعيد الثقة بالدولة وبالعملة السورية، ولكن للأسف في سورية يحصل العكس فكل إنجاز على الأرض ترافق بتخفيض سعر الليرة ورفع سعر الدولار، رغم أن ما طبق لتسعير الدولار لم يكن حراً، كما ادعى البعض، وليس المقصود التدخلات المتلاحقة للمصرف المركزي التي فهمها أغلب العارفيين بأنها إعادة توزيع وتدوير لجزء من العملة الصعبة التي هي ملك للشعب، توزيعها لبعض المقربين والمحسوبين على المصرف المركزي من مكاتب صيرفة ولبعض من يحسب المصرف المركزي عليه، وآخر التصريحات ما صدر عن الدكتور ميالة حاكم مصرف سورية المركزي أن سبب الارتفاع المفاجىء للدولار هو هروب المسلحين من حلب إلى تركيا! وهنا السؤال هل كان هؤلاء هم من يضخون الدولار في السوق؟ وإن لم يكونوا فهل هم من حاولوا المضاربة بشراء الدولار أكبر من سعره السوقي غير الواقعي وغير الطبيعي بالأصل؟ وإن كان كذلك فسؤالنا ماذا فعلتم لمواجهة ذلك؟ طبعاً إن اقتنعنا معكم بتبريركم والسؤال الآخر مادام الموضوع محصوراً بحلب فلماذا ارتفع الدولار في كل أسواق سورية وإن وجدت مافيات لهذه ولماذا لا تسلّم الدفة لمن يضع لها حداً مثلما فعلوا أول الأزمة؟ تصريحات وتصريحات الفاعلية الإعلامية والتأثير النفسي لمواجهة المضاربات وإعطاء الثقة للجمهور السوري الصابر والصامد، ثم تتوالى التبريرات: حافظنا على استقرار سعر الصرف! والسؤال أي استقرار هذا الذي رفع سعر الدولار من 50 إلى 460 ليرة؟

لا يهمنا أي موضوع شخصي ما يهمنا ما تقومون به من أجل الحفاظ على سعر الليرة سعر الصرف الذي هو معيار ثقة وتقوية لصمود شعبنا وصده ولا نقبل لأي كان أن يهز هذه الثقة، لأن اهتزازها ينعكس على صمود سوريتنا والمؤسسة الحامية لحدودها ووجودها، شعبنا الذي ضحى بكل شيء من أجل سوريته لا يستحق إلا كل التكريم ولا يستحق القسوة، ولا يكون التكريم إلا بعلاج أس الثقة وهو سعر الليرة، وليس كما يروج البعض بإشاعة رفع الرواتب لشعب نصفه عاطل عن العمل وبوجود 6 ملايين مهجر وأكثر من مليون معاق، لم ولن تمر كل التبريرات بأن ما يجري هو بعلم المؤسسات، لتقبيض الموظفين في ظل نقص السيولة أو لاستنزاف المدخرات من أجل تقويض التسليح، وخاصة أن تجار الأزمة وشركاء المضاربة بالدولار ومروجي الدولرة هم الأكثر تمويلاً للسلاح ولجلب المرتزقة، وهؤلاء لا يقبلون دولارً منخفضاً حتى يستطيعوا أن يجلبوا أكبر عدد من هؤلاء، للعلم اليوم الدولة مسؤولة مالياً عن جزء من الأراضي، وبالتالي خفت الأعباء وكذلك الحصار وتقنين المستوردات وغير ذلك، وكذلك يبقى الشارع يسأل ماذا عن الخطوط الائتمانية؟ ولماذا لا تعطى لمؤسسات الدولة بدين مؤجل إلى ما بعد الأزمة؟ وماذا عن مساعدات الدول التي أكلنا عوضاً عنها الكفوف وسالت دماؤنا؟ ولماذا لا يدعمون المصرف المركزي بودائع طويلة الأجل أسوة بما قام به الطرف الآخر كما سمعنا.

إن كان الصراع كما يروج له عالمياً بين محاور، فالأولى تقوية الصمود السوري وشعبه الأبي الحر، ومن لا يقم بذلك يجعلنا نشك في الأمر. ونقول نحن شعب نضحي بدمنا من أجل تطهير تراب سوريتنا، ولكن لم ولن نقبل أن نموت جوعاً بفعل تجار الأزمة! ولم ولن نقبل بأن تذهب هباءً أي نقطة دم سوري من دون محاسبة من سفكها وخاصة من تجار الأزمة والدم.

الإرهاب الاقتصادي أثبت أنه أخطر من إرهاب السلاح، وخاصة بعد أن تجاوزنا الكثير من المطبات، ومن يلجأ له شريك في القتل والدمار، ونتمنى أن لا نؤكد شراكة أي سوري بهذا الإرهاب، الكلام المسؤول الواقعي يريح المواطن ويعطيه جرعات صبر وأمل فلا تضلّلو بالكلام.

العدد 1105 - 01/5/2024