لم لا ينتحر الدجاج في بلادنا؟

 بينما أقوم بجولة سياحية في حارتي البهية، بحثاً عن ربع كيلو ثوم من أجل الطبخة، مررت أمام بائع الدجاج، فراعني ما رأيت عنده من استهانة بحقوق الدجاج، وكدت أرفع صوتي مناشدة المجتمع الدولي بالتدخل لتحسين الوضع الإنساني – عفواً الحيواني – للدجاجات المسكينة التي حشرت في أقفاص مريعة، عاجزة عن الإتيان بأية حركة، باستثناء تناول الطعام والماء، بانتظار مجيء الزبون المحظوظ  الذي سيشتريها وينقلها إلى الطنجرة في مطبخه. والحقيقة أني عشت زمناً طويلاً دون أن يكون لدي أدنى فكرة عن المعاناة الطبقية والحراك الثوري لدى الدجاج، فكنت أظن أنها تعيش راضية بمصيرها دون أن تفكر بشيء، إلى أن قرأت مقالاً علمياً يؤكد أن الدجاج الذي يربى في هذه الأماكن الضيقة يعاني من معيشة القهر والإذلال، لدرجة أن بعضه يقدم على تصرفات عنيفة منها محاولة الانتحار أو مهاجمة زملائه مما يضطر المربين إلى قص مناقيرها! بل وسمعت أيضاً أن بعض الدجاج في بريطانيا لديه تصرفات غير طبيعية، إذ تقوم الدجاجة (البياضة ) بالتمطي رافعة جسمها أثناء وضع البيض، مما يؤدي إلى كسر البيضة أثناء نزولها، وأعتقد أنها تفعل ذلك لدوافع حكيمة، إذ أنها لا تريد أن تنجب سلالة بائسة تعيش الحياة نفسها التي عاشتها أمها… ولكن هذا كله في بلاد أخرى وليس عندنا، إذ أني لم أسمع مرة عن دجاجة انتحرت عندنا، أو خرجت في مظاهرة يوماً، وربما السبب أنه ليس لديها قنوات تلفزيونية ولا محللون في شؤون الدجاج أو منظرون من ديكة الخارج، وإلاّ  كنا شهدنا دجاجاً يحرق نفسه في ساحة المرجة مثلاً، ثم إن دجاجاتنا تملك تفكيراً عقلانياً، فهي تعرف أن أمامها طريقين لا ثالث لهما، إما الموت الطبيعي (يعني ذبحاً) وفي هذه الحالة ستذهب إلى مطابخ البني آدميين، وإما تنتحر أو تموت (طقيق) من كثرة التفكير، وحينئذ سيرميها المربي إلى حضن بائع الشاورما.. لذا فهي تنأى بنفسها عن الخطابات السياسية والتحريض، وتجلس في قفصها مستسلمة، لا تفكر إلا بماضي أجدادها (الدجاج البلدي) الذي عاش في ربوع الحرية، فقد كان يجول طول النهار بحثاً عن طعامه في الحقول، ويأوي مساء إلى القن مثله مثل أي موظف محترم!

المهم أني تركت الدجاج لشجونه، وتابعت طريقي بعد أن سألت دليلاً سياحياً عن متحف الثوم، فدلني على مكان يقع قرب  (الشانزليزيه)، وكان علي أن أعتمد على لياقتي البدنية لأقفز فوق حفر الماء القذر وأكوام القمامة، وأخيراً وصلت بعد أن اجتزت عدداً من الشوارع التي امتدت على جانبيها البيوت الفخمة التي شُيدت بقدرة سحرية بين ليلة وضحاها (ليلة الجمعة غالباً حين تكون البلدية في عطلة رسمية)، وقفت أمام المبنى الذي ظننته المحل المقصود، إلا أني فوجئت بوجود أعداد غفيرة من البشر (مختلف القياسات) يجلسون داخله، شباب منهمكون بالتدخين والموبايل، نساء يطبخن ويصرخن على الأطفال المنشغلين بألعابهم عن الدنيا، وكل هؤلاء داخل مساحة لا تتجاوز مساحة حمام بيت من بيوت المسلسلات التلفزيونية! المهم أني سألت عن بغيتي، فأكدوا لي أن هذا بيتهم الذي (انحظوا) بالعثور عليه واستئجاره بمبلغ عشرة آلاف ليرة فقط، وبينما هم يشرحون حيثيات وجودهم هنا، كنت أنا مشغولة بإحصاء عدد الأولاد داخل (البيت) والواقع أني وجدت صعوبة في معرفة العدد الصحيح، نظراً لحركتهم التي لا تهدأ، ولكن قدرت أن يكونوا أكثر من تسعة وأقل من خمسة عشر ولداً وفتاة، ولم يكن أمامي إلا أن (أصلي على النبي) لكي لا تضيع بركتهم، وفي الوقت نفسه، رددت: (سبحانك ربي ما أعظم قدرتك) من قال إن زمن المعجزات انتهى؟ انظروا إلى معجزة البيوت التي تتسع للعشرات، ولا تنسوا معجزة السرافيس التي تضاهي سفينة نوح و كذلك الصفوف الدراسية من فئة الستين طالباً وأكثر… لم ألبث أن عدت من حيث أتيت وأنا أكرر الصلاة على النبي، وقد فهمت كيف يعيش الدجاج في بلدنا دون أن يفكر بالانتحار.

العدد 1105 - 01/5/2024