حكومتنا غارقة في التخبط ومنفصلة عن الواقع

 لم تتمكن حكومة وائل الحلقي، من تحديد مسار اقتصادي خاص بها، يتناسب مع ضرورات مرحلة الحرب التي تعيشها البلاد. وسجلت الحكومة التي تصنف نفسها بأنها حكومة حرب، فشلاً ذريعاً في إدارة اقتصاد الحرب، والتأسيس لنهج اقتصادي يلائم هذه الحقبة المريرة، أو إقرار خطة تكفل استمرار الحياة الاقتصادية، وفق متطلبات زمن الحرب.

ومن الواضح، أنه لم يعد لهذه الحكومة قدرة على إدارة ملف مهم، مثل الحياة المعيشية المتدهورة، أو غيره من الملفات الملحّة والمصيرية، لردم الفجوة المتسعة مع الشارع الذي يزداد سخطاً عليها، والمحافظة على ذلك الخيط الرفيع المتبقي بينها وبين النَّاس. إذ إن غالبية المسؤولين غير مرغوبين شعبياً، وسعوا خلال الفترة الماضية إلى بناء أسوار عالية تفصلهم عن المواطنين، والتفتوا إلى مصالحهم الخاصة، وتلبية مطامحهم الضيقة. فمعظم المشكلات الاقتصادية التي كان يمكن التصدي لها، ومعالجتها قبل وقوع الكارثة المرتقبة، تجاهلتها الحكومة، لجهل، أو لتخوف من الاقتراب منها. لم نر حكومة تفوق قدرات حكومة الحلقي بالتنظير، ولم تأت حكومة تتحدث كثيراً ولا تفعل شيئاً مثل هذه الحكومة، التي أوحت منذ تشكيلها بأنها بلا صلاحيات، ما خلا التصريحات، وأنها لا ترغب بالعمل، وتعرقل مصالح الناس، وتترك المخالفين بلا محاسبة، والمتلاعبين بقوت الناس وبالعملة الوطنية يسرحون ويمرحون دون أي وازع أخلاقي أو قانوني.

لماذا لا تستخدم حكومة الحرب صلاحياتها؟ ونقصد بالصلاحيات ما يتعلق بتأمين احتياجات الناس، وصولاً إلى حماية المنشآت. يثير هذا التساؤل الشجون حول، موقف الحكومة المنغلق على نفسه في حماية مدينة صناعية، للمحافظة على المصانع التي تزود الناس باحتياجاتهم. وفشل الجهاز الحكومي في اعتبار مدينة صناعية واحدة منطقة خضراء، تكون خارج ساحة الصراع المسلح، وفوق المصالح الذاتية، ويُدافع عنها ببسالة.

 تحتاج مجابهة الحرب الشعواء، إلى حنكة وذكاء كبيرين، ومخططين يستشرفون المستقبل، وهذا ما لم تفعله حكومة الحلقي، التي اعتقدت أنه يمكن مواجهة الحرب الاقتصادية بالبيانات، والمحافظة على الإنتاج بشكل تلقائي، وتنفيذ الخطط بالاجتماعات. هذه ليست حكومة حرب، إنها حكومة بلا رؤيا ولا خطط ولا برامج، ولن تسهم في معالجة الواقع المرير. إذ إن المشكلات الاقتصادية الخانقة، بحاجة إلى شجاعة لمعالجتها، وحكمة في تناولها، وفكر مستنير لمواجهتها، وهذا ما لم يتوفر لدى حكومة الحلقي. فالمشهد الاقتصادي حالياً يمكن اختصاره بالتالي: البلاد مذبوحة من الوريد إلى الوريد، واقتصادها شبه منهار، وعملتها الوطنية فقدت قيمتها، ونسب البطالة والتضخم فاقت كل التوقعات، هذا المشهد الاقتصادي من نتاج الحرب، ووجدت الحكومة نفسها مكتوفة الأيدي في لجّته.

 إن أخطر ما تعرض له الاقتصاد الوطني، في هذه الحرب الطاحنة، هو توقف الإنتاج، وكان تدمير المعامل هو الضربة القاصمة التي فككت قدرات اقتصاد سورية، وحرمته من عناصر قوته. فماذا فعلت الحكومة لمواجهة أسوأ السيناريوهات؟ لا شيء، إذ أتحفنا الوزراء ببدلاتهم الأنيقة، وسياراتهم الفارهة، وظهور أبنائهم كطبقة جديدة في عالم المال. كنّا بحاجة إلى استمرار الإنتاج، فقط هذا ما احتاجه الاقتصاد الوطني في زمن الحرب، ولم تفعل حكومة الحرب شيئاً. المنشآت التي كانت تعاني من تكدس الإنتاج، كان لديها فرصة تاريخية لتستمر وتعاود حياتها من جديد. المعامل التي كانت تصدر منتجاتها باتت سوقنا المحلية أولى بإنتاجها. لكن الحكومة انتظرت طويلاً حتى اقتنعت بأن مشكلاتنا الاقتصادية كان يمكن تجاوز معظمها بالمحافظة على المعامل والمنشآت، والدفاع عنها، لا أن تتركها عرضة للنهب والسلب والدمار.

هذه الحكومة لم تدعم المنتجين، ولم تقف إلى جانبهم، ولم تساعدهم في المحافظة على استمرارية إنتاجهم. والقرارات التي أصدرتها، أتت متأخرة، ولم تطبق، كالقروض التشغيلية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. فمن غير المفهوم أن عدداً من المنتجين يطالبون بالسماح لهم ببعض الاستثناءات وقليل من الدعم ليستمروا بالعمل، فيما الحكومة تدير ظهرها لهم. سلطت هذه الحكومة سيوفها على رقاب المنتجين، منعتهم من العمل، بدلاً من تحفيزهم وحثهم على التمسك بمنشآتهم. وهذه حماقة اقتصادية بامتياز، وموقف لم نقرأ عنه في الكتب.

و يبدو أن إقلاع المعامل، ومعاودة دوران عجلة الإنتاج، لن يكون على يد هذه الحكومة، الغارقة في الفشل الاقتصادي، وغير القادرة على وضع خطة إنقاذية، بالاعتماد على المقدرات الوطنية. طبعاً الحكومة التي فشلت في حماية مؤسسات وطنية، لن يكون لديها الرغبة في المحافظة على المنشآت الخاصة، والحكومة التي لم تَر في كل ما تعرّض له الاقتصاد الوطني ما يستدعي استخدام صلاحياتها، هي حكومة منفصلة عن الواقع، أو أنها لا تتمكن من قراءته، وهذه هي الطامّة الكبرى. حكومة كهذه، هي الحكومة الكارثة، التي لا يمكن الاستفادة منها، وإن مطالبتها بتغيير خطها الاقتصادي، هو تضييع للوقت، أو نفخ في ميت.

العدد 1105 - 01/5/2024