«العـولمة والحـاجات الإنسانية» ندوة جمعية العلوم الاقتصادية في اللاذقية

 تعددت الآراء في الندوة الرابعة لملتقى جمعية العلوم الاقتصادية في اللاذقية، وأغنت الندوة بحوار مفتوح وشفاف رغم الاختلاف ببعض وجهات النظر التي عبرت عن الثقافة المجتمعية المتنوعة.

بدأت الندوة بحديث الدكتور سنان علي ديب رئيس فرع الجمعية عن ظاهرة العولمة التي هي عبارة عن جعل الشيء يأخذ المنحى العالمي، والغاية الأساسية منها تكريس سيطرة الإمبريالية الأمريكية على العالم من خلال إضعافه وسلبه واستنزافه، والعمل على زيادة تنميتها ورفاهية شعبها..ولا يخدعنا الاختباء وراء تضليلها الإعلامي مدعية الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الدولية. فبالتطبيق أثبتت أنها تعمل على سلب حقوق الإنسان وقطع الديمقراطيات ومنع سيادة الدول، فأمريكا أرادت أمركة العالم عبر تسطيح الأفكار وتنميطها، وسلب الهويات الوطنية وقتل القيم الأخلاقية، وقد استخدمت أدواتها من إنترنيت وفضائيات وإعلام مضلل وجمعيات مدنية مرتبطة بها، للنيل من البنى الداخلية للدول، والهدف الأسمى لها هو استمرارية السيطرة الاقتصادية واستمرارية ثنائية الآخرين سوقاً لتصريف منتجاتها ومورداً للمواد الأولية بأبخس الأسعار، ولليد العاملة بأرخصها. وقد سخرت المؤسسات الدولية لذلك من أمم متحدة وصندوق نقد دولي ومنظمة تجارة عالمية وشركات متعدية الجنسيات وبورصات، والهدف الأسمى هو تغلّب بعض الأشخاص المرتبطين على مؤسسات الدول، للسير بنهجها الاقتصادي الداعي لحرية أبواق ومنع الحمائية ولعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، ولتحطيم البنى الاقتصادية والاجتماعية..وإن لم تنجح تلجأ للحروب عبر شيطنة الإسلام وصنع ميليشيات قاتلة إرهابية لتشويه الأديان والأفكار.

وقد عبرت السيدة مها خزام عن رأيها قائلة: بأنه لا عولمة وإنما أمركة أفسدت الشعوب والدول ودمرت الحضارات، وتحصين البلدان داخلياً يخفف من انعكاساتها. وقدم السيد علي ريا (من الحزب الشيوعي السوري الموحد) مداخلته قائلاً: إن العولمة حالة فوضوية قائمة وسائدة متوحشة تمتص جهود الآخرين وثرواتهم وتستثمر ضعف الحالة الثقافية والمعرفية لدى الآخرين. ولمواجهتها نحن بحاجة إلى تشكيل وتكتل ديمقراطي أنسب يناضل لتحقيق حاجات الشعوب ومصالحها، ومنها البريكس.

الباحث شادي حسن والعضو في جمعية العلوم الاقتصادية في اللاذقية قدم شرحاً عن تاريخية العولمة ودورها الأمريكي التخريبي التدميري وتشويه القيم الأخلاقية وتحطيم اقتصاديات الدول. ثم تكلمت المهندسة تهامة يوسف عن ضرورة العمل على تحويل العمل المنفرد إلى جماعي يلبي الحاجات الإنسانية بدلاً ممّا أصابنا من سوء نتيجة عولمتهم منطلقين من مقولة الإمام علي رضي الله عنه قيمة كل امرئ ما يتقن. ورأى السيد بولص سركو أن ما يحصل في العالم هو أمركة متوحشة بعيداً عن الأنسنة.

وقد قدم السيد حكمت جراد مداخلته متحدثاً عن ضرورة إعادة المنظومة القيمية وخاصة قيمة العمل للمزارعين والعمال، وكذلك لمربي الأجيال لسوء أدائهم وبعدهم عن الهدف الحقيقي. السيد عبد الرزاق درجي (عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الموحد) أكد أن هدف الرأسمالية ليس الإنتاج وإنما الربح (المداخلة منشورة جانباً).

وتحدث الدكتور صالح الحكيم عن أهمية الفهم الحقيقي لمحتوى الأديان واستثمار الخطاب الديني الجامع البناء لإعادة اللحمة والمحبة والانطلاقة نحو الحل لأزمتنا وتجاوز الصعاب.

اختتم الندوة رئيس الجمعية متحدثاً عن خطر هذه الظاهرة وإعلامها السالب للقيم، والمسبب للمأساة الإنسانية والأمراض الاجتماعية الناجمة عنها من إفقار وتعطيل ومخدرات وفساد ودعارة، وإن مواجهتها تتطلب التحصين الداخلي عبر برامج اقتصادية واجتماعية وفكرية وتكتلات دولية وفق توافقات إنسانية واجتماعية… فالسَّورنة، ثم العروبة والأنسنة هي علاج وجدار لمواجهة الأمركة.

مداخلة الرفيق عبد الرزاق درجي

 ظهرت العولمة نتيجة للتطور الصناعي الكبير (الثورة الصناعية) في العديد من الدول الأوربية الغربية (فرنسا، بريطانيا)، وكان لهذا التطور الصناعي ذي المحتوى الرأسمالي أثرٌ في زيادة حجم الإنتاج الذي استطاع أن يغطي حاجة الأسواق المحلية لتلك البلدان، ونظراً لأن غاية الرأسمالي زيادة أرباحه وتصريف منتجاته ظهر شعار (دعه يعمل دعه يمر)، وهذه كانت بداية العولمة.

بدأت الدول الصناعية الغربية في أوربا تنفيذ هذا الشعار من خلال الحروب الاستعمارية التي شنتها على الشعوب، وذلك لتصريف منتجاتها من جهة، ولتأمين المواد الأولية من البلدان المستعمرة بأقل التكاليف وبأبخس الاثمان. وهذا يفسر لنا الحروب الاستعمارية والمآسي الكبيرة التي لحقت بالبشرية بسبب ذلك، سواء من خلال الصراعات التي نشأت بين الدول الاستعمارية نفسها لاقتسام مناطق النفوذ في العالم، أو الحروب التي تشنها هذه الدول على الشعوب.

والحرب العالمية الأولى والثانية شاهد على ذلك، إذ دفعت البشرية الملايين من البشر  سقطوا ضحايا هذه الحروب. إلى أن أتت ثورة أكتوبر الاشتراكية التي دشنت عهداً جديداً وعولمة جديدة إنسانية المحتوى، من خلال مساعدة الشعوب للخلاص من الإرث الاستعماري البغيض الذي فرض على البشرية نتيجة التطور الرأسمالي في البلدان الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. واستطاعت العديد من البلدان نيل استقلالها الوطني بعد صراع مع الدوائر الاستعمارية، ومنها بلداننا العربية.

واستطاعت العديد من بلداننا، بالمساعدات السوفييتية، بناء جيشها الوطني وبناء العديد من المشاريع الضخمة التي تصب في مصلحة شعوبنا، كبناء السد العالي في مصر وسد الفرات في سورية، وبناء العديد من المصانع والمنشآت التي لعبت دوراً هاماً في تحسين أوضع الناس المعيشية وتأمين فرص عمل لها، إلا أنه بعد سقوط التجربة السوفييتية التي كانت أشبه بالزلزال، فقدت حركة التحرر الوطني العالمية والعربية منها سنداً قوياً لها في نضالها.

حاولت الإمبريالية الأمريكية الانفراد بالعالم وأمركته واستخدام سياسة القطب الواحد والحروب التي شنتها مباشرة أو بالوكالة على (أفغانستان والعراق وليبيا وصربيا وسورية واليمن)، وقد دفعت شعوبها ولاتزال تدفع ثمناً باهظاً من أرواح مواطنيها، وتدمير العديد من المنشآت التي بنتها. ودعمت الإمبريالية أيضاً الإرهاب والفكر الإقصائي تحت مسميات عديدة، ولكن شعوب هذه المنطقة لم تستسلم وظلت وستظل تقاوم مشاريع الهيمنة  والتسلط إلى أن يكتب لها النصر.

إن سقوط التجربة السوفييتية لم ينه الصراع بين الشعوب من جهة، والدوائر الإمبريالية والصهيونية والرجعية من جهة أخرى.. وشعبنا الذي صمد خلال هذه الحرب الظالمة التي شنت عليه منذ أكثر من خمس سنوات سيظل يقاوم إلى أن يكتب له النصر من أجل سورية موحدة، علمانية وديمقراطية، تعددية وتقدمية.

وسيظل مقاوماً مع كل شعوب العالم ضد العولمة الأمريكية المتوحشة، وكل الدلائل تشير على المستوى العالمي إلى ظهور عالم جديد متعدد الأقطاب (دول البريكس، منظمة شنغهاي، آسيان) لمقاومة سياسة القطب الواحد الأمريكي.

إننا بحاجة إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، مبني على العلاقات المتكافئة بين الشعوب، فالحاجات الإنسانية المستمرة والمتطورة لا يمكن أن تبنى بالقهر والظلم، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال النضال بلا هوادة من أجل حق الشعوب في اختيار النظام الذي تريده، وتقرير مصيرها بنفسها، دونما فرض أو وصاية من أحد.

العدد 1105 - 01/5/2024