معمل مياه الدريكيش.. عمل دؤوب ومتابعة دائمة!

إن الإدارة الجيدة والمتابعة الدائمة لواقع الحال في مكان الإنتاج والمراقبة الحقيقية للآلات والقيام بالإصلاحات والصيانات الدورية، هي من عوامل نجاح العمل في أي مؤسسة أو معمل. وقد تكون هذه العوامل من أهم أسباب نجاح معمل مياه الدريكيش الذي يعمل بطاقتة القصوى التي تصل إلى 24 24.
في الجولة التي قمت بها في المعمل، التقيت عدداً من أصحاب السيارات التي كانت تنتظر دورها كي تقوم بشحن الكميات المطلوبة من المياه إلى المحافظات. وقد تحدث إليّ عدد من هؤلاء، فأكدوا جميعاً أنهم يشعرون بالارتياح في المعاملة والسرعة في التحميل والتفاني في خدمة المصلحة العامة. فالسائق عمار أحمد تحدث عن سعادته باستجرار المياه من معمل الدريكيش، وهي بحدود عشرة أطنان يومياً لصالح المؤسسة الاستهلاكية في محافظة طرطوس.. وعندما سألناه عن المعوقات والسلبيات التي يمكن أن يسجلها على سير العمل، أكد أنه لم يلق إلاّ المعاملة الحسنة. كما تحدث عن عودة الثقة بالمنتج الوطني، وخصوصاً فيما يتعلق بالمياه، فالمواطن أصبح على معرفة كاملة بأن بعض الدول التي كانت تصدّر لنا عبوات المياه (كالسعودية مثلاً) لا يوجد بها نبع واحد بل تلجأ إلى تكرير مياه البحر، وأحياناً مياه الصرف الصحي. وطبعاً هناك فرق كبير بين ما هو لدينا من مياه معدنية وبين ما نستورده من ماء مكرر.
السيد سمير (سائق يعمل بنقل المياه من معمل مياه الدريكيش لصالح القطاع الخاص في محافظة اللاذقية) تحدث عن عمله قائلاً عمليات البيع هنا تجري بكل أريحية، فالجميع يعملون – ودون مجاملة مني – كأنهم خلية نحل حقيقية، إذ يسارع العمال لدى وصول السيارة إلى القيام بتحميلها بالكمية المطلوبة.. وأود هنا أن أشير إلى السيد هاشم حسن، أمين المستودع الذي يعكس الوجه الحضاري للمعمل، فالبسمة لا تفارق وجهه، ولا يمكن أن تواجهك مشكلة في المعمل إلاّ ويجد لها حلاً فورياً.. هناك مشكلة تتعلق بالسعر والمتعارف عليه بـ(ندوة وفاتورة)، فالوكيل له سعر مخفض (ندوة)، وهو بحدود 61 ليرة سورية، أما القطاع الخاص (فاتورة) فالسعر بحدود 80 ليرة سورية تقريباً للحقيبة الواحدة (الحقيبة ست عبوات سعة لتر ونصف).
أما السيد محمد محفوض، فقد أكد أن مياه الدريكيش هي من المياه النادرة في العالم، وتحدث عن أهمية المياه في معالجة حالات الرمل والحصى الكلوي. وأشار السيد محمد إلى أن مياه الدريكيش يجب أن تباع في الصيدليات، نظراً لأهميتها وجودتها وقيمتها العلاجية. وعن معاملة عناصر المستودع أكد أنهم يد واحدة، وأن العمل يجري بكل أريحية في غياب الروتين القاتل.
أمين المستودع السيد هاشم حسن أكد ضرورة التفاني في العمل، خصوصاً في المرحلة التي تمرّ فيها البلاد، وأوضح أن المستودع كان مشكلة حقيقية في المعمل، فالجميع يتهرّب من حمل تلك المسؤولية خوفاً من حدوث نقص ما، لدرجة أن الإدارة لجأت إلى تسليم المستودع للعمال بشكل دوري (ستة أشهر لكل شخص). وعندما جاء دوري أحسست بأهمية المستودع، إذ هو الواجهة التي تنتقل منها صورة  المعمل لكل من يستجر المياه منه. طبعاً في البداية واجهتني بعض الصعوبات، لكن بعد فترة استطعت تجاوزها وبنيت جداراً مرتفعاً من الثقة بيني وبين العمال، وبيني وبين القادمين للمعمل، واستطعت أن أدخل إلى داخل كل عامل، وبحثت عن النقطة التي تشعِر ذاك العامل بأهمية كل نقطة عرق يقدمها. إضافة إلى أنني عددتُه شريكاً لي في المسؤولية عن المستودع.. وكما ترى فلا حاجة لي كي أقف وأشرف على تحميل كل سيارة، فالجميع هنا يشعرون بأنهم أمناء للمستودع. برأيي يجب الاهتمام بالعامل، والنظر إلى الجهد الذي يبذله بكل احترام وتقدير.. وأستطيع أن أقول لك بكل فخر بأن مياه الدريكيش لا مثيل لها على الإطلاق، وهي تنافس بكل قوة الأصناف الأخرى، لا في الجودة فقط بل حتى في السعر، وما يؤكد الثقة بمنتجنا هو كميات الاستجرار التي تصل إلى 30 ألف جعبة يومياً.
في غرفة المخبر التقينا بالمخبري يوسف حسن الذي تحدث لنا عن العمليات الدورية لفحص المياه، مؤكداً أنهم يقومون بقطف عينات من المياه.. هناك بعض الأعطال في أحد الأجهزة التي أثرت العقوبات علينا في عدم القدرة على إصلاحها.. طبعاً لدينا جهاز آخر نقوم بالمعايرة عليه ولا يوجد أي مشكلة أخرى في العمل.. نقوم بإجراء تحليل جرثومي كل 24 ساعة، وتحليل فيزيوكيميائي كل ساعة تقريباً.
في غرفة الإنتاج كان العمل يجري بشكل ممتاز، وقد التقينا بالمهندس حنا خليل، رئيس وحدة إنتاج عبوات اللتر والنصف، فأكد أهمية العامل، والدور الذي يقوم به، مضيفاً أن الدولة تقدم لهم اللباس المجاني والحوافز وتعويض العمل الإضافي. كان العامل يعاني ارتفاع درجة الحرارة في الصالة، فقمنا بتركيب عدد غير قليل من المكيفات الضخمة كما ترى، وأصبح الجو جيداً جداً.. نلتزم بعدد ساعات العمل.. لدينا مشكلة في تأمين بعض القطع التبديلية بالسرعة القصوى، ولكن هذا لا يؤثر على سير العمل.. نقوم بإصلاح الأعطال ذاتياً، والمدير لا يتردد في القيام بتلك العمليات شخصياً، وللأمانة فهو خبير حقيقي بإصلاح معظم الأعطال.
العاملة نهلة تحدثت عن شعورها بالرضا للمعاملة التي تلقاها، وهي لا تشعر أبداً بأي نوع من الظلم، بل على العكس عندما تذهب إلى بيتها، وهي غير متعبة، تظن أن الراتب الذي تحصل عليه لا تستحقه.. كان بإمكاني أن أعمل في الإدارة ولكن أنا أفضّل العمل هنا في صالات الإنتاج.. أنا مقتنعة بأن عليّ أن أتعب كي أحصل على راتبي- أقسم لك على ذلك.
في إحدى غرف الآلات التقينا بالسيد يوسف بدّور، مدير معمل مياه الدريكيش، وكان يقوم شخصياً بإصلاح عطل طارئ، وبعد إصلاحه اصطحبنا إلى مكتبه حيث تحدث عن أهمية مياه الدريكيش كمياه غذائية علاجية، وروى لنا حادثة جرت مع والده في السبعينيات جعلته يثق بأهمية مياه الدريكيش كمياه علاجية لحالات الرمل والحصى الكلوي.. وفعلاً بعد ثلاثة أشهر زار طبيبه واستغرب الطبيب عندما لم يجد أثراً للحصى في كليته.. مياه الدريكيش تستطيع أن تتعرف عليها من طعمها ونكهتها إذ نقوم بتعبئتها بعد فلترتها  وتعقيمها دون إضافة أية مادة كيميائية، على عكس ما كان يأتينا من دول أخرى. يعمل في المعمل حالياً نحو 160 عاملاً وعاملة بين دائم ومؤقت. طاقة المعمل الإنتاجية سنوياً ثلاثة ملايين جعبة سعة لتر ونصف تقريباً أي 18 مليون عبوة، ومليونا جعبة سعة نصف لتر أي 24 مليون عبوة.. ويعمل المعمل على مدار الأسبوع وبضمن ذلك يوما الجمعة والسبت كي نغطي حاجة السوق.. لا يوجد لدينا معاناة في الإصلاح، فعمالنا وفنيونا يقومون بإصلاح الأعطال في المعمل.. لدينا مشكلة شح المياه على الرغم من أننا حفرنا أكثر من بئر للتغلب على تلك المشكلة.. نحتاج إلى فتح خط إنتاج آخر للعبوات نصف اللتر، علماً أننا وعِدنا منذ سنتين بذلك، ولكن الأحداث على ما يبدو أثرت قليلاً على ذلك.. كان لدينا فكرة إنتاج أصناف أخرى بنكهات متعددة ومتنوعة، ولكن التأخير في فتح خط إنتاج آخر أدى إلى تأخير ذلك.. هناك موضوع مهم جداً لدينا يتعلق برفدنا بآليات جديدة لأن الآليات التي لدينا قديمة منذ 1975 وتحتاج إلى إصلاحات دائمة، إضافة إلى استهلاكها الكبير من الوقود، وهناك سبب مهم هو الظهور بالمظهر الذي يليق بنا كمعمل منافس.. بالنسبة للأسعار جيدة جداً ومنافسة، وقيمة المياه العلاجية والغذائية تفوق ذلك بكثير لكل من يعرف قيمة مياه الدريكيش.
وختم السيد يوسف بدور كلامه بالقول المحافظة على النجاح والتطوير الدائم هو الهدف الذي نسعى إليه ويشغل تفكيرنا بشكل دائم.
الإدارة ليست ميزة بل هي عمل مضن ومسؤولية، وعلى المدير أن يكون في مقدمة عماله، وألا يكتفي بالجلوس في مكتبه بانتظار توقيع البريد أو ورقة من هنا وأخرى من هناك.. المعمل أمانة في رقبة كل من يعتاش منه، وعلى الجميع الحفاظ على المعمل كي يحافظوا على لقمة عيشهم.

العدد 1107 - 22/5/2024