تأوهات شابّ زمن الحرب

لاشيء يقعد الهمّة ويطوي الطموح كالإحباط، ولا كمثل العادة والاعتياد والتكرار يحوّل الإنسان إلى آلة تسير في خط ميكانيكي واحد يثنيه عن التحليق والإبداع ويستحيل بالروتين إلى إيقاع واحد ونغم مكرور من وترٍ يتيم.

ولكن كيف كان هذا ومنذ متى ابتدأ؟ ابتدأ شعوري بأني كنواس يتدلى شاقولياً في ميدان متساوية جاذبيته وقوى دفعه بين كل الأطراف، فسمّرني بوسطه أدورُ عَلى نفسي وألتوي على ما فيَّ من نية للاندفاع والتّقدم، مقيد بكثير من اللاطموح واللاثقة بالمستقبل والحاضر… كنتُ كلما كبرت سنة كانت تتلاشى وتزول عن فمي عشرات التساؤلات، وتخبو في مخيلتي عشرات التصورات والرسوم إلى أن صرت بهذه الرقاعة الفكرية والتسّطح العقلي..يعوزني اليوم الكثير من الهمّة والاندفاع، كما أفتقر إلى كثير من الإرادة والرغبة، الرغبة بخلق واقع جديد لنفسي، واقع أفضل أجده لي ولغيري، أو أجد فيمن حولي من يضطلع بهذه المشقة وينقلني من حال إلى أفضل منه، فلم تنفعنا أحلامنا ولا طموحاتنا، ولا أبصرتِ الضوء عموم تطلعاتنا إلى مستقبل أنفسنا ومستقبلنا جميعاً. فلمّا وصل من وصل إلى ما كان ينشد ويرنو، صار عظيم همّهم المادة، ليتغوّلوا ما استطاعوا من المال، ولو احتطبوا بحبل الخِسَّة ما احتطبوا، فالمكسب هو المال والشهرة بتحذلقهم ومداهناتهم، ولم يتركوا لنا حيّزاً من الضيق في حفرة من الوحل لا تنفك يبتل طينها يوماً تلو الآخر، فنعلق أكثر ثم أكثر.

عرفت في وقت مبكر من هذا العقد من الزمن أنّنا تعلّمنا كيف نقع وكيف نقنع بما وقعنا فيه ولا نرغب وقوفاً ولا نحفل للخطا والتقدم، تعلمنا كيف ننوي ونحلم ونخط، وثمة هناك من ينتظرنا ليحطم خابية أحلامنا من السمن والعسل فوق وجوهنا بعصاه، وويل لمن عصاه، هذا الواقع والقدر وهؤلاء الأوصياء علينا بلا ذنب أو مبرر أو مخوّل حقيقي، كي يئدوا أحلامنا وتطلعاتنا، فأجدني أقضي وقتي معي وأقوم بعملي بكل ما أوتيت من قرف واشمئزاز، لا أرنو مستقبلاً ولا أنتظر جديد ولا أثق بأن الأفضل آت.

 

العدد 1105 - 01/5/2024