سوريات ينهضن من تحت الرماد

واقع النساء السوريات قبل أزمة طاحنة حرقت معها الأخضر واليابس، وبعدها، على أرض تحولت من بساط أخضر إلى صحراء، مارسوا على ترابها كل أنواع المجازر، وحلّقت في سمائها بدل الطيور طائرات، فأضحت السماء منبع قذائف غدر حرقت أحلام العشاق الناظرة إليها.

هكذا استقبلت السوريات الأزمة بحسرة على أحلام قُتلت من أول تهجير ذقن فيه كل نكهات القهر والعوز والذل والحرقة، سواء كن فتيات أو أمهات بعمر الشباب، وحتى السيدات الطاعنات في السن كنَّ أشدهن حرقةً، والويل الويل إن كنت جميلة وساقتك الأقدار لتتوهي وسط غابة من الوحوش البشرية، هنا تسقط كل الإنسانية ليجعلوا من وجهك الضاحك للقمر وجسدك الممشوق للريح جواز سفر العائلة إلى حياة كريمة، ويا ويحك إن تمنّعتِ! فقد قضيتِ على مستقبل عائلة كانت ستحيا بسلام على نهش جسدك المصلوب لرياح الغدر المفتعلة. وماذا لو كنت أماً تركت خلفها شاباً أو طفلاً أو طفلة غرس بتراب بلدٍ لا تدري هل ستعود إليه من جديد لتكحل عيناها بتراب قبر نديم الروح، أو ستقضي العمر ترسل سلاماً مع نسيم الصبح المحمل بندى الدمع لتبلل الأسى المغروس على قبر البعيد القريب، والمصيبة الأكبر إن كان الضنى أسيراً بيد الجلادين القابعين تحت الرايات، وإن اختلف اللون فالعذاب واحد، وقلبك الممزق النازف من الشريان لمن عاش بين الضلوع مقتات منه واحد، لتجدي نفسك وقد تآمرت عليك الأرض والرياح والسماء والبحر الذي شبع من لحم أبنائك السوريين، لتأتي الغربة أشدها مرارة وتحرمك من فنجان القهوة الصباحي على شرفةٍ أزهرت أحواضها من ضحكة مزاحكم وسخريتكم من بعض بعثرات ومقالب عائلية، حتى فطور يوم الجمعة وما يحمل هذا النهار من أشياء معتادة محببة وغير محببة لوّعك بلوعة الحنين، لجمعته حول طبق من الفتة الشامية.. حتى أيام الأسبوع الباقية كانت ظالمةً لكِ هي أيضاً، فقد حرمتك متعة النهوض المبكر من الفراش بسرعة لتكوني من الفائزين بمقعد داخل حافلة العمل، بعد أن جعلوا من مكان عملك مخزناً لسلاح، فتك به قبل الجميع، وملاذاً لجلادين جلدوا جسدك بيد من حديد.

 فلا كلام يصف معاناة المرأة السورية أمام أزمةً لخّصت الحقد بثماني سنوات، ومازال الدفتر مفتوحاً لمزيد من الذكريات تدوّن بيدٍ ظالمة، ليقرأها جيل جديد لا ندري ما إن كان يريد أن يبقيها أم سيحرقها كباقي دفاتر الذكريات؟ 

العدد 1105 - 01/5/2024