الحكومة المتجددة… هل تستمر في اللبرلة؟

بعد طول انتظار صدرت أسماء الحكومة المتجددة، فأغلب الوزارات السيادية قد حافظت على وزرائها وهو ما كان متوقعاً في ظل استمرار الأزمة والاستمرار بالعقلية نفسها لإدارتها وفق رؤى عامة ثابتة، ورغم ذلك لم يك أغلب الشعب السوري وخاصة من هم في الداخل يترقبون هذه الوزارات وشخوصها، وإنما بانتظار الشخوص الجديدة لوزارات تتعلق خططها وبرامجها بلقمة العيش وبمستوى المعيشة وبالأسعار، بعدما ضاقت صدورهم وتدهور تحمّلهم مما عانوه من نيران سعر الصرف وبركان الأسعار، وما حصل كان وفق الرهان بحيث اتجهت التغييرات لهذه المناصب وما يكملها من مناصب لمواقع بمرتبة وزير، كهيئة تخطيط الدولة والمصرف المركزي وأمانة مجلس الوزراء، ولكن يبقى السؤال:

هل يستمر الرهان بتغيير العقلية السابقة القائمة على برامج حابت البعض وخرجت عن النهج الذي أقر في المؤتمر القطري العاشر، وكان مدخلاً لما خطط لبلدنا من ويلات وكوارث، بتهييج البحر الساكن وفق مركبات غريبة عن واقعنا وبيئة لم تك مركبات كهذه قادرة على التفاعل فيه، وما دعا البعض للاستفسار هو كون أغلب الوزارة من الكوادر البعثية المتجذرة بدءاً من رئيسها الذي أبلى بلاءً حسناً خلال الأزمة، من خلال تصديه للتدمير الممنهج الذي أصاب قطاع الكهرباء، بكوادر تحدّت الموت وحافظت ضمن القدرة والاستطاعة على استمرارية الكهرباء لأغلب المناطق وفق برامج تقنين وإن أشتكى البعض من عدم عدالتها بين المناطق، ومحاباتها لبعض المشاريع التي يقطنها الذوات، وحتى الفواتير استمرت عبئاً على الشرفاء ومحابية لمن امتهن السرقة والتعدي على الشبكة، وأغلب عبئها على من وقف مع الوطن ورفض إلا البقاء،

ويبقى السؤال: هل ستكون البرامج القادمة للمحاباة أم لبزوغ طريق العدالة والتوزيع العادل، وكذلك السؤال: هل ستستمر الحكومة بإدارة الملفات أسوة بما لم يحصل بقطاع الكهرباء من محاولات خصخصة وحتى لو أضطروا للاتفاق مع عصابات السرقة لدول مجاورة، كما حصل بمحطة زيزون أو لتدمير المحولات والشبكات ورغم ذلك لم يفلحوا، كما أفلحوا بمحطات الحاويات وشركات الطيران ومعامل الأسمنت، أم سيعاد فتح هذه الملفات؟

 ونأمل إعادة النظر بعقلية نزع الحكومة من إدارة الاقتصاد، والسعي لإصلاح القطاع العام الذي رغم محاولات التخسير والقتل استمر وفق مبدأ السكران غير العارف والمدرك لمصيره، وخاصة ما يتعلق بالصناعة ووزيرها الجديد القديم فقد كان قد تبوأ هذا المنصب سابقاً وأضيفت إلى مهامه مهام جديدة لإصدار قوانين وإصدار قرارات طالما طالب بها الصناعيون الشرفاء، وإزالة عراقيل وضعت في وجه تفعيل المناطق الصناعية وإعادة بناء المعامل واستعادة ما نُقل وسرق منها، بسبب استمرار عقلية وأدوات بيروقراطية معرقلة، هدفها الفساد والإفساد واستمرارية اغتناء بعض المحتكرين من الاستيراد، وكذلك يجب إعادة النظر بأسعار مواد ساهمت برفع الأسعار وتكريس التضخم، في أوقات حرجة وظروف ثابتة وفق نظرات مفاجئة لم تفسّر إلا بضغوط من نافذين حتى لا تكون أسعار القطاع العام منافسة لاستيرادهم ومنتجاتهم، كما حصل مع الأسمنت، أو رفع الأسعار المتتالي في ظروف صعبة لمواد ذات احتياجات يومية كما حصل مع أسعار الدواء، وكلما ازداد عدد المعامل الدوائية رفعت الأسعار رغم أن المسؤول السابق طبيب ويعرف تأثير قرارات كهذه على حياة المواطنين.

ويبقى ملف الاقتصاد والأسعار مفتوحاً بانتظار ما سوف يقوم به الوزير الجديد المتجدد، الذي حمل سابقاً مسؤولية فوضى سعر الصرف وعدم القدرة على استخدام الأدوات المناسبة لتخفيف العبء وإعطاء الثقة عبر سعر صرف مستقر عادل، وهنا سيكون الاختبار فهل سيتبع سياسات اقتصادية واقعية قادرة على إعادة التوازن الاقتصادي وفق عقلية مؤسساتية هادفة لإعادة الاعتبار لمؤسسات التجارة الخارجية، وفق حرية الاستيراد ووفق اتفاقات تعطيها فقط التعامل مع الدول ذات الخطوط الائتمانية بدلاً من بعض الأشخاص، بحيث يقوّض دور محتكري المواد من قلة التجار ويفرض أسعاراً تقي المواطنين من لهب النار، أم يستمر وفق النهج الذي كان واستمر خلال الأزمة هذا النهج والذي لم يطبق حتى في الدول التي تفرضه على غيرها؟

ويبقى المواطن بانتظار سياسات قادرة على إعادة الخدمات التي نعم بها قبل النهج الذي دردر نعمه، بمحاولة تخصيص الخدمات التعليمية والصحية وجعلها غير مجانية، وعدم السعي للوصول إلى جودتها في المؤسسات الحكومية، والتغاضي عن المخالفات والتعديات بما انعكس على مخرجاتها وتدني سوية مواطنينا وخسارات بالطاقات والإمكانات. ولوزارة الزراعة أهمية إن استيقظت وأعدت برامج تلزم للأزمة وتعيد لها ولمؤسساتها الدور المنوط بها، من خلال تغيير العقلية السابقة وإعداد الخطط الزراعية بما ينسجم مع الأمر الواقع، والتعاون والتنسيق مع الهيئات والمنظمات لأخذ الدور في مساعدة الفلاحيين من خلال استعادة زمام المبادرة في تأمين البذار والمعدات والأدوات وخاصة الأسمدة والأعلاف بأسعار تواجه فساد المحتكرين من التجار الفجار.

ويبقى موضوع جعل وزارة التنمية الإدارية أساسية بدلاً من أن تكون فرعية نقطة تحول، فهل سيكون الوزير فاعلاً وقادراً على التطوير الإداري بحيث نتجاوز التعيينات القائمة على المحاباة؟ وهل يمكننا تطوير القوانين لنحيط بالفساد؟ ولوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أدوار من خلال إدارة شؤون الجمعيات التي تسمى خيرية وأغلبها كانت مراكز اغتناء، وكذلك لتكريس دور مؤسسات المجتمع المدني الوطنية وقطع الطريق على الكثير منها التي تغرد بقوة وهي تابعة لمشاريع خارجية. وكذلك بانتظار تغيير قانون العمل رقم 17 لنصرة العمال وتحصينهم تجاه الفجار.. ويبقى السؤال ما يمكن تسمية التجديد الحكومي به أنه تجديد تكنوقراط…. فهل هو تكنوقراط مستمر لما نشأت عليه هذه الكوادر وما سنراه تغيير للقبعات، أم سيكون تغييراً لنهج سابق أفرغ ما حلمنا به من محتواه، وقضى على الطبقة الوسطى وهشم البنى، وأدخلنا في متاهات الفوضى وتنامي الفساد؟

 لا يمكننا الحكم مسبقاً، ولكن ننتظر بعض الوقت ما دام التغيير لم يطل سوى جزء يسير نتمنى أن يكونوا عوناً لإخوتنا في الوطن وللمؤسسات الوطنية بالحفاظ على وحدة الوطن وعلى صبر المواطن عبر تحسين معيشته ومواجهة تجار الدم وتجار الأزمة.

العدد 1105 - 01/5/2024