هل لدى حكومة خميس نهج اقتصادي ينحاز للمواطنين؟

ينتظر السوريون من حكومتهم الجديدة، موقفاً واضحاً، من القضايا المتعلقة بالاقتصاد. وحتى الآن لم يصدر أيّ موقف رسمي يتضمن توجّهات الحكومة الاقتصادية، أو تصريح يتعلق بنهجها الاقتصادي، إذ مضى اجتماعها الأول، الأسبوع الماضي، ولم تظهر أي إشارات أو دلالات، حول هذه الموضوعات المهمة. ولا نعتقد أنه من المبكر الحديث عن بيان الحكومة المرتقب، إذ إن الحالة الاقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد، تقتضي موقفاً حازماً وصارماً من النهج الاقتصادي السابق الذي أحلّ الكوارث بالبلاد، وألحق بها ما لا تُحمد عاقبته.

ومع تغيّر الفريق الاقتصادي، لابدّ من تحديد التوجه الاقتصادي، و بمعنى أكثر تفصيلاً: ماذا ستفعل حكومة عماد خميس في الشأن الاقتصادي؟ ما هي خطتها في هذا المجال، وبلادنا تعاني من الحرب والدمار والقتل منذ خمس سنوات مستمرة؟ إلا أن صدور قرار بترؤّس وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية أديب ميالة، اللجنة الاقتصادية، يثير حالة تخوف من غياب للنهج الاقتصادي، أو التوجه نحو نهج غير مرغوب شعبياً في التطبيق، إذ قد يُعلَن توجّه معيّن للاستهلاك الإعلامي، وللاستفادة منه في التصريحات الرسمية، فيما تكون دفة القيادة في اتجاه آخر تماماً.

من المعروف أن وزير الاقتصاد الجديد، له أيادي غير بيضاء، في معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، فهو القادم من المصرف المركزي، مثبتاً فشلاً في إدارة أزمة سعر الصرف. إضافة إلى غياب موقفه الاقتصادي، وعدم الإعلان عن انتمائه لأي مدرسة اقتصادية، وما فكره الذي سيدافع عنه؟ مايثير التخوف من الانزلاق إلى نفق جديد، أو المحافظة على استمرار الانزلاق الحكومي السابق، بالابتعاد عن قضايا الناس، وعدم التركيز على نهج يحتاجون إليه في هذه المرحلة. فالحكومة السابقة، كانت تعتمد على ما أسمته مرحلة إعادة الإعمار، فيما أعلن رئيسها عن ولادة نهج التشاركية، في التوقيت الخاطىء، ماسحاً أكثر من خمسة عقود من التشاركية بين القطاعين العام والخاص، وناسفاً الجهود المبذولة سابقاً في ترسيخ قاعدة الاقتصاد الوطني القائم على دعامة التعاون بين القطاعين العام والخاص، ومتجاهلاً كل المحاولات السابقة التي طويت فيها حالات استبعاد قطاع دون غيره عن اللعب في الساحة الاقتصادية المحلية. فهذه التسميات خطرة جداً، وزمنها بات من الماضي السحيق، ولا يوجد دولة في العالم تسعى لاستبعاد قطاع، أو طاقة ما بشرية أو اقتصادية أو غيرها، عن المشاركة في اقتصادها، ماخلا ما يمسّ أمنها الوطني بمعناه الحقيقي، وليس بتطبيقاته الفاشلة.

لم يكن الاقتصاد الوطني خلال السنوات الخمس المنصرمة سوى الخاسر الأكبر من الحرب الدائرة في ساحاته، واستمرارية هذه الحرب تهدد ما تبقى من قدراته على الصمود، بسبب موقف الحكومة السابقة السلبي منه، وتشتيت كل محاولات لملمة قواه، والمحافظة على استمراريته، والدفاع عنه. ولنا أمثلة كثيرة في هذا المجال، تتعلق بالزراعة والصناعة، جناحي اقتصاد سورية، اللذين سعت الحكومة السابقة لقصّهما.

 إن حكومة خميس، قد تكون كغيرها من الحكومات السابقة، لا تضع الاقتصاد أولية بالنسبة لها، وربما تنشغل بما هو غير جوهري، متذرعة بالظروف العامة التي تعيشها البلاد، والحرب التي أكلت الأخضر واليابس. إلا أنه لا مجال الآن لأي مبررات، أو للنقاش العقيم الذي قادتنا إليه الحكومة السابقة في تسميتها (حكومة حرب). لا يهمنا ماذا سيطلق خميس من تسمية على حكومته، إنما الذي يشغل بالنا ماذا ستفعل هذه الحكومة؟ كيف ستدعم الصناعة المريضة؟ وماذا ستقدم للزراعة المطعونة في ظهرها؟ هل تريد من نفسها أن تكون حكومة (أبوية)، أم أنها ستكتفي بالتدخل الإيجابي الخجول؟ هل ستطلق التصنيفات وتوزع شهادات في الوطنية كما فعلت سابقتها، أم أنها ستركز على الجهود المثمرة؟ هل ستكون قادرة على ممارسة دورها بشفافية وصراحة مع الشعب؟ أم أنها ستعلن عناوين براقة لمشاريع وهمية؟

لم يعد للسوريين قدرة على احتمال التجريب، لأنه يشبه التخريب تماماً، إذ إنهم يحتاجون من وزراء حكومتهم إلى الجدية والشفافية، بعيداً عن الاستعراض الوهمي لخطط لا يمكن تطبيقها. يريدون أفعالاً من حكومة تدرك تماماً أنها أتت في الظرف الصعب. وكفانا حديثاً عن الأسعار التي أرهقت الناس، وعن الفشل الذي يلحق بعمل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك. كفانا كلاماً في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ولم نتقدم قيد أنملة في هذا المجال. كفانا حديثاً مملاً وساذجاً عن تحريك أسعار المحروقات فيما الناس لايصلهم منها شيء، وعن إجراءات تخص كل القطاعات لتنشيطها ودعمها، فيما الحصيلة هي صفر.

قد تطول القائمة كثيراً، والحكومة تعلمها، خاصة أن التغيير الحكومي أتى بعدد من المديرين العامين كوزراء، أي أنهم قد لا يحتاجون إلى مهلة المئة يوم لدراسة الملفات، بل يحتاجون إلى إصرار على العمل، لا اجتماعات لدراسة الخيارات والخطط ببطء شديد. إذ إننا نترقب موقفاً حكومياً، صريحاً وشفافاً، من القضايا الاقتصادية المذكورة، وتوجهاً اقتصادياً يتجاوز دغدغة المشاعر. فهل تفعلها حكومة خميس وتنحاز للناس، باعتباره المصلحة العليا للبلاد؟

العدد 1105 - 01/5/2024