بورصة العرسان

 بدافع من حرصه الشديد على مستقبل دلوعته الغالية التي ربّاها (كل شبر بندر) ودفع دم قلبه على تعليمها حتى نالت شهادة الدراسة الإعدادية، ونظراً لعدم ثقته بشباب اليوم المستهتر بالقيم والعادات وخاصة ما يتعلق منها بمسائل الالتزام بالحياة الأسرية، تفتق ذهن جارنا أبي عزيز عن فكرة كفيلة بتأمين أقصى حدود الضمان لمستقبل ابنته المقبلة على ولوج القفص الذهبي، الفكرة الثورية التي تفتق عنها ذهن أبي عزيز لم تأت من فراغ طبعاً بل استلهمها من خبرته الطويلة العريضة في الحياة، تلك الخبرة التي اكتسبها على مدار سنين طوال أفناها خلف مقود سيارة الأجرة يجوب الشوارع والحارات والأزقة مراكماً خبرته في فنون التعامل مع الآخرين، ولأن صاحبنا متعدد المواهب ويعتبر نفسه لاعب طرنيب وتركس ومحبوسة من الطراز الأول و يعرف متى يلقي بورقته الرابحة في الوقت المناسب ويحشر خصمه في خانة (اليك)، فقد آثر الانتظار بصبر حتى تم الاتفاق على كل المسائل المتعلقة بالخطبة والعرس وما بينهما من قيمة مقدم ومؤخر وجهاز وغيرها، وعلى وقع الزغاريد والضحكات ألقى في وجه صهر المستقبل العزيز بشرط اللحظة الأخيرة:

بقي تفصيل صغير.. لأسباب لا أخالكم تجهلونها، نريد أن يتم تسجيل المهر بالعملة الصعبة.. بالدولار يعني.

بزهوّ لاعب خفة نجح لتوه في إخراج أرنب من قبعته، راح أبو عزيز يراقب علائم الدهشة والذهول التي ارتسمت على وجوه الحضور من كلا الطرفين، وبضمنهم العريس والعروس، سادت لحظات صمت تبادل خلالها ذوو العريس نظرات حيرة واستغراب تلاقت في النهاية عند والد العريس الذي أسقط في يده ولم يجد إلا أن يبدي لنسيب المستقبل استغرابه من طلبه الغريب، فانبرى أبو عزيز مدافعاً عن مطلبه المحق مبيناً الأسباب الموضوعية له، شارحاً بإسهاب مشكلة تذبذب سعر صرف العملة الوطنية وما ينجم عنه من إشكالات دفعت بمعظم المشتغلين في قطاع المال والأعمال إلى اللجوء إلى هذا الحل العملي العادل صوناً لحقوق المتعاملين. ربما بدافع من غيرته الوطنية وربما لمجرد امتعاضه من توقيت الطرح وربما لأسباب أخرى، أبدى والد العريس رفضه القاطع لهذا الطلب، فسرت بلبلة بين الحضور وتوترت الأجواء منذرة بما لا تحمد عقباه، وسرعان ما تدخل العقلاء من أصحاب الخير لحل الخلاف الطارئ فاقترح أحدهم (تسعير) المهر بالذهب كحل وسط بين الطرفين لم يتوانَ أبو عزيز عن رفضه مبدياً عدم ثقته بأسعار المعدن الثمين، واقترح آخر تسجيل المقدّم بالدولار والمؤخّر بالليرة فجوبه المقترح بالرفض من كلا الطرفين، وبعد أخذ ورد عاد أبو عزيز ليخطف الأضواء مجدداً عبر إعلانه على الملأ أنه بدافع من حرصه على عدم التعطيل و إثباتاً لحسن نيته فإنه مستعد للتنازل عن شرط الدولار والقبول باليورو كبديل توافقي، وهنا عقدت الدهشة ألسنة الجميع وخيم على المجلس صمت مشوب بالهمهمات والتمتمات حتى انبرى أحد الخبثاء من آل العروس للتساؤل ساخراً: دخلك.. وأي سعر تريدنا أن نعتمد.. السعر الرسمي أم سعر السوق السوداء؟ فتدخل خبيث آخر من الفريق ذاته قائلاً: لا أرى مانعاً من قبول الطلب بشرط إجراء جلسات تدخل عند الضرورة!!

ظريفٌ غير معروف الانتماء أدلى بدلوه قائلاً: لم لا نقتدي بأجدادنا ونحدد الصداق بالإبل والنعاج؟…وساد هرج ومرج بين الحضور حسمه أخيراً أصحاب المساعي الحميدة بإعلان تعليق المفاوضات حتى إشعار آخر دفعاً لوقوع الأسوأ.

مصدر واسع الاطلاع على أجواء المداولات والمفاوضات غير المباشرة الجارية حالياً لإيجاد مخرج مناسب للمشكلة أفادنا مؤخراً بأن العمل جار حالياً على وضع اللمسات الأخيرة على مقترح خلاق تقدم به أحد أصحاب الأفكار النيرة من غير الخبثاء، يعوّل عليه أن يكون المخرج الأنسب للقضية، هذا المقترح يقوم على تحديد قيمة المهر اعتماداً على سلّة عملات يتم التوافق على اختيارها من كلا الطرفين !! أي.. شوية دولار على شوية يورو على شوية ين ويوان وروبل ولا بأس ببعض الرشاديات والمجيديات.

وحتى تاريخه.. ما زال العروسان بانتظار تصاعد الدخان الأبيض من غرف الاجتماعات المغلقة أملا بالختام السعيد.

العدد 1105 - 01/5/2024