المؤتمرات الحزبية الانتخابية.. لماذا؟

 بدأت منذ أكثر من شهر أغلب منظمات الحزب مؤتمراتها الفرعية، وهي تحضّر اليوم لانتخابات لجانها المنطقية بناءً على قرار المؤتمر الثاني عشر للحزب وقرار اجتماع اللجنة المركزية بتاريخ 18-19 شباط 2016 الذي أقر اللائحة التنظيمية لانتخابات اللجان الفرعية واللجان المنطقية وحدّد مواعيدها.

ويتساءل بعض الرفاق والأصدقاء لماذا هذه المؤتمرات وهذه الانتخابات؟ وهل الظروف مواتية لإجرائها..؟ أما كان من الأفضل تأجيلها؟ نعم، إن هذه الاسئلة وغيرها أسئلة مشروعة، لأن هذه الانتخابات تجري في ظروف صعبة ودقيقة يمر بها الوطن والحزب، ولأن بعض منظمات حزبنا ورفاقنا وخاصة في المناطق الساخنة أو الواقعة تحت سيطرة المسلحين مثل: (دير الزور – الرقة – عفرين) يعيشون في أوضاع بالغة الصعوبة والخطورة، لكن هذا لا ينفي أهمية عقدها، وخاصة أن اللائحة الانتخابية راعت مثل هذه الحالات وغيرها، ووضعت بنوداً وأحكاماً استثنائية لمعالجة الأوضاع التي تمر بها بعض منظمات حزبنا.

إن قضية المؤتمرات ليست شكلية وليست روتينية وليست مجرد تنفيذ لعمل إجرائي نص عليه النظام الداخلي، وإنما هي قضية أساسية قضية مبدئية تُمكّن، إذا أُحسن إدارتها والاستفادة منها، من تحسين أداء منظمات الحزب وعملها. وإذا كانت هذه القضية هي قضية هامة في كل الأوقات، فهي اليوم قضية بالغة الأهمية وخاصة أن حزبنا منذ سنوات (منذ المؤتمر الحادي عشر) لم تجر فيه انتخابات للهيئات الفرعية والمنطقية بسبب الأحداث الجارية في البلاد، وهذا أدى بشكل من الأشكال إلى ضعف عمل بعض اللجان المنطقية ونقص في عدد أعضائها وقوامها، وإلى بعض الخروقات في أساليب العمل الجماعي، وإحلال العمل الفردي والإداري محله، وإلى حالة من التعايش مع الأخطاء والسلبيات، والركود والترهل، والابتعاد عن الانتقاد الذاتي، وعدم المتابعة والمحاسبة، مما أدى إلى بعض الإشكالات التنظيمية هنا أو هناك. صحيح أن المؤتمرات الانتخابية ليست العلاج السحري الوحيد لهذه الإشكالات إلا أنها إذا أحسن تنظيمها وإدارتها ووضحت المهام المطلوبة منها يمكن أن تلعب دوراً هاماً ورافعاً للعمل الحزبي، فمن دون المؤتمرات والانتخابات قد تتعرض بعض القيادات الحزبية للجمود، وتظل تدور في إطار الأساليب السابقة التي اعتادت عليها وتعايشت معها، وتعتبر نفسها في منأى عن النقد والانتقاد والمتابعة والمحاسبة.

فالانتخابات الحزبية تشكل مناسبة هامة جداً في حياة الحزب الداخلية، وفي عمل منظماتها ونشاطها، وهي حدث سياسي وتنظيمي عميق يشكل جزءاً أساسياً في ممارسة المركزية الديمقراطية التي أكدتها جميع الأنظمة الداخلية لحزبنا عبر مؤتمراته، فقد أكدت مواد النظام الداخلي أنه يجري تأليف هيئات الحزب من أبسطها حتى أعلاها عن طريق الانتخابات. ونصت المادة (1-2) من النظام الداخلي على ما يلي: (تشكيل هيئات الحزب القيادية ومكاتبها واختيار أمنائها عن طريق الانتخاب). كما نصت المادة (6-2-4) على حق العضو في الانتخاب: (يحق لعضو الحزب أن ينتخب وينتخب ويشارك في التصويت على القرارات التي تتخذها منظمته وهيئته).

لقد وردت كلمة (انتخاب) ومشتقاتها (ينتخب – ينتخب – تنتخب.. إلخ) نحو 30 مرة في النظام الداخلي. وهذه ليست مصادفة. وإنما هو دليل آخر على أن الانتخابات الحزبية تشكل جزءاً أساسياً وهاماً لابد منه من مبادئ التنظيم الحزبي. طبعاً كل هذا لا يلغي الحالات الاستثنائية والمؤقتة التي تفرضها الظروف الموضوعية والتي يمكن أن تؤدي إلى تأجيلها في منطقة ما. أو اتخاذ إجراءات خاصة استثنائية تتناسب مع الحالة والزمان والمكان. ومعلوم أن أهمية المؤتمرات الانتخابية تتعلق بطبيعة الظروف التي تجري فيها هذه المؤتمرات.

فهي تجري في ظروف صعبة ومعقدة ومتشابكة، في ظروف يتعرض فيه وطننا لأكبر هجمة من قوى وحركات مسلحة تقودها جماعات إرهابية بربرية متطرفة تمت تعبئتها من كل حدب وصوب، بدعم من تحالف القوى الإمبريالية والصهيونية والعثمانية والرجعية العربية، تستهدف سورية بلداً وانتماءً، تستهدف سورية دولةً وشعباً وجيشاً، تستهدف وحدة أراضيها وبناها وكوادرها ومكونات نسيجها الاجتماعي المتنوع، وإرثها الثقافي والحضاري، لذلك ينبغي أن تكون هذه المؤتمرات محطات لـ:

1. شرح سياسة الحزب وتفهّمها والالتفاف حولها وتقوية عمله لتنفيذ المهام الوطنية والاجتماعية حالياً وفي المستقبل.

2. رص صفوف الحزب وتعزيز وحدته وتقوية الروح الرفاقية بين أعضائه.

3. بحث ومناقشة تجربة العمل السابقة لتجاوز السلبيات والأخطاء والنواقص وبهدف تقوية صفوف الحزب تنظيمياً وتحسين عمل هيئاته.

4. وضع خطة تتضمن برامج عمل تنظيمية ومطلبية وثقافية سنوية.

5. انتخاب هيئات حزبية ذات ارتباط عميق بالحزب، ورؤية فكرية واضحة، وتفهم جيد لسياسة الحزب، وتجربة غنية وقدرة على ممارسة العمل القيادي وعلى الاتصال بالجماهير، وأن تكون الحلقة الأساسية والتنظيمية في البرامج والخطط بحيث تكون كل لجنة فرعية أو لجنة منطقية عبارة عن فريق عمل كفء وجامع بين كوادر جديدة شابة وقيادات خبيرة مجربة، وأن تكون الحلقة الأساسية في البرامج والخطط التي سوف تبحثها وتقرها هذه المؤتمرات هي التوجه بحزم لتوسيع صفوف الحزب بين العمال والفلاحين والمثقفين، بين الشباب والنساء والطلاب، وتطوير النضال المطلبي والسياسي، وإيجاد حياة حزبية غنية، متطورة، تساعد هذا التوسع وتحفزه وتمكن الحزب من لعب الدور المناط به والمطلوب منه بشكل مستمر.

والهام جداً أن تكون الخطة نفسها خلاصة بحث جماعي، عميق وواسع، وأن تتضمن أكثر ما يمكن من المهمات الملموسة الواضحة، التي يرتبط تنفيذها بأزمان محددة. لأن نجاح أي سياسة أو برنامج يتوقف على المبادرات التي تبديها هيئاته في تنفيذها، وعلى كيفية هذا التنفيذ. وللّجنة المنطقية دور هام رئيسي في خلق هذه المبادرات، وتوجيهها وقيادتها، فهي هيئة حزبية قيادية هامة ذات صلاحيات واسعة، وأمامها مهمات سياسية ومطلبية وتنظيمية كبيرة (هيئة حزبية تقود عمل منظمتها التنظيمي والسياسي والفكري والجماهيري في المحافظة)- كما أشار النظام الداخلي.

لقد جاء تطور الأحداث والقضايا السياسية والميدانية والاقتصادية التي يجابهها وطننا ليؤكد صوابية سياسة الحزب ومواقفه. وبيّن أهمية دور الحزب وكبر حجم المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، ومن الواضح أيضاً أن التطور اللاحق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يتطلب زيادة دور الشيوعيين وتطور مستوى ممارستهم وأدائهم السياسي وتواصلهم مع الجماهير ومع القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية، فاليوم ليس كالأمس وغداً لن يكون مثل اليوم، وهذا يقتضي أن تولي المؤتمرات الحزبية على مختلف مستوياتها الاهتمام الكافي للأوضاع السياسية والاقتصادية الاجتماعية التي تمر بها البلاد، وأن تهتم أكثر وأكثر بحياة الجماهير وقضايا المعيشة، وأن تبحث جدياً العديد من الظواهر والمسائل الجديدة التي فرضتها وأفرزتها الأزمة الكارثية التي يمر بها وطننا مثل قضايا المهجرين، وانخفاض مستوى المعيشة، وتردي الأوضاع الاقتصادية وازدياد نسبة الفقر والفقراء، وغير ذلك من القضايا العامة والقضايا الملموسة في كل محافظة ومنطقة.

إن الهيئات المسؤولة ينبغي أن ترى في هذه المؤتمرات محطات لبحث تفاصيل النشاط السياسي والجماهيري، وخاصة في مجال تطبيق سياسة الحزب التي أقرها المؤتمر الثاني عشر وأكدتها وركزت عليها اجتماعات اللجنة المركزية، وعلى هذه المؤتمرات أن تتخذ من القرارات والإجراءات ما يكفل التخلص من بعض مظاهر الانكفاء والعزلة والركود في النشاط الحزبي. وهذا يتطلب إحياء مبادرات العمل الجماهيري والتواصل معها من خلال الندوات واللقاءات، وعبر الجريدة التي يًصدرها الحزب، ونشر البلاغات والبيانات الصادرة عنه، باستخدام وسائل الاتصال والتواصل الحديثة.

كل هذا يقتضي وضع مهام ملموسة ومحددة أمام كل فرقة وفرعية ولجنة منطقية، والاستفادة من جميع الرفاق، كلٍّ في مكان عمله وحسب قدراته وإمكاناته.

العدد 1105 - 01/5/2024