إلغاء الدعم وإعادة توجيهه لمستحقيه..!

تعد سياسة الدعم من السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال تخفيف العبء الاقتصادي عن الأفراد والأسر الفقيرة وتحسين القوة الشرائية لها، إما بصورة مباشرة (نقدي) أو غير مباشرة، وذلك بتوفير بعض السلع والخدمات بأقل من تكلفتها الحقيقية.

ويحتل الدعم مكانة بارزة في فلسفة ونهج صندوق النقد والمصرف الدوليين والمؤسسات الدولية. ويعد إلغاء الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه! شرطاً أساسياً من شروط رضا الصندوق والمصرف على أي دولة. ويعدّ مؤشراً حول جدية السياسات الاقتصادية المتبعة، وبالتالي تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للدولة التي تلغي الدعم (أو توجهه نحو مستحقيه)!

 

في دولة ما: رغم رفضها لسياسات صندوق النقد والمصرف الدوليين وتشكيكها الدائم في حسن نوايا المؤسسات الدولية، إلا أن إداراتها الاقتصادية المتعاقبة (السابقة واللاحقة) رفعت شعار (إلغاء الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه) ووضعته نصب عينيها هدفاً أساسياً لبرنامجها الاقتصادي (إن وجد!)، وطالبت بضرورة التخلي عن هذه السياسة، بذريعة أن الاستمرار في تقديم الدعم (لغير مستحقيه!) يعني المزيد من تشويه السوق، وأن الدعم، بشكله الحالي، لا يحقق الغاية منه، إذ يستفيد منه عدد من الشرائح التي ليست بحاجة حقيقية إلى مساعدة، فضلاً عن إرهاق كاهل دولة في تحمل أعبائه، فالعجز المالي في تزايد دائم ويعود ذلك إلى تضخم حجم الدعم، ونادوا بضرورة (إعادة توزيع الدعم على مستحقيه) وذلك بأخذها من أولئك الذين يستفيدون منها وليسوا بحاجة إليها (الأغنياء) وتوجيهه إلى من هم بحاجة إليه (الفقراء).

لكن السؤال هو: كم عدد سكان دولة ما الذين لا يستحقون الدعم (خاصة خلال الأزمة الحالية)، إذ إن سكان دولة ما مقسومون إلى فئتين فقط، فئة تملك (وهي بالتأكيد لا تستحق الدعم، ونسبتها لا تتجاوز 10%) وفئة لا تملك (وهي التي يفترض أنها تستحق الدعم ونسبتها تتجاوز 90%). أليست التسهيلات والإعفاءات الضريبية والجمركية للرأسمال أحد أشكال الدعم؟ أليس تخفيض الضرائب المباشرة ورفع الضرائب غير المباشرة تؤدي إلى عدم تحقيق العدالة الاجتماعية المرجوة؟ أليس الفساد أحد أهم أشكال الدعم المقدم للفاسدين؟ ما هي نسبة الدعم الحقيقية الواجب تقديمها مقارنة مع الثروات المنهوبة والرأسمال المهرب والمزايا الممنوحة للأقلية التي تملك على حساب الأكثرية التي لا تملك؟

فعلاً، إن شعار (إلغاء الدعم وإعادة توجيهه لمستحقيه) هو الوجه المالي للنفاق.

العدد 1104 - 24/4/2024