صورة المثقف بمرآة المجتمع

 عندما ينغمس مداد الكاتب في شؤون الحياة العامة، لابد له من مواجهة المشاكل المقلقة التي تهم عامة الناس، وبالطبع تعنيه شخصياً بصفته جزءاً فاعلاً في إطار كل منفعل في أغلب الأحيان.

كلما ازداد منسوب مواجهة الحقائق المؤلمة ازداد عدد الخصوم، فالعلاقة بينهما طردية، وهنا إما أن يلجأ الكاتب إلى الصمت مؤثراً السلامة بكل أشكالها، معلناً انسحابه حرصاً على راحته النفسية والجسدية، وإما أن يدخل المواجهة وعندئذٍ لا مهرب من الخوض في غمار لا تحمد عقباها حتى من أقرب المتفهمين للضرورات والمحظورات.

المسألة تتجاوز حدود الشخصنة والعلاقات الودية والصداقات الدائمة أو الطارئة، إنها قضية الثقافة، وبالتالي صورة المثقف في مرآة المجتمع. فأي تشوه في الصورة بفعل ممارسات خاطئة لهذا المثقف أو ذاك تنعكس سلباً على فئة المثقفين بشكل عام، وبالتالي تضعف من دورهم الريادي، وتأثيرهم في مجتمعاتهم، لأن مواقفهم وآراءهم، تشكل مصدر هداية للناس، إذا لم نقل هم نماذج يحتذى بها ويقتدى بهم.

القدوة والنموذج والمثال، ليس بالكلام وبالمنابر والكتابة في هذه الصحيفة أو تلك المجلة، على أهمية ذلك ثقافياً واجتماعياً، تتناقص الأهمية عندما لا تتوافق أقوالنا مع أفعالنا، والطامة الكبرى، والخطر الداهم، عندما تتعارض هذه الأقوال كلياً مع الأفعال.

وكي لا يساء فهمنا، ونتهم بالوعظية وبيع النصائح، لا نبرئ أنفسنا من بعض هذه الظواهر التي يتصف بها المثقفون، من مبالغة في الأنوية، ومحاباة أصحاب الشأن، والتستّر على أخطاء المقربين، والجرأة في مواجهة من لا نحب، دون تقديم مبررات مقنعة لذلك.

عندما تتفشى هذه الأعراض وتتجاوز حدود الظواهر الشخصية، تشكل خطراً ليس على المثقف نفسه، وإنما على المثقفين جميعاً، وبالتالي على الثقافة، في مرحلة عصيبة نمر بها جميعاً ثقافة ومثقفين.

فبدلاً من تجميع القوى ورص الصفوف والالتفاف حول الأولويات الوطنية، وفي مقدمتها تمتين اللحمة الاجتماعية، وتعزيز الثقافة الوطنية بتقديم قوة المثل، والترفع عن ضيق الأفق، والانغماس في قضايا ثانوية قد تكون على درجة كبيرة من الأهمية، لكن تأجيلها لا يعني نسيانها، وسيأتي وقت آخر لمعالجتها والمساهمة في إيجاد الحلول لها.

من سيستمع إليك إذا خسرت ثقة الناس بك؟ ومن سيعترف بك إذا لم ترتق بسلوكك إلى النموذج الإيجابي المتفهم لما يمكن فعله الآن، وما يمكن أن يؤجل إلى زمن آخر وظروف بديلة؟

لا تدعوا صورة المثقف تتآكل، بعد أن أصابها الاهتزاز، تعالوا معاً أفراداً ومؤسسات للعمل في ورشة تضع برنامجاً يحدد مهمات المرحلة، وفي مقدمتها محاربة الفكر الظلامي التكفيري الإقصائي الإلغائي، بالفعل وليس بالقول، بقوة المثال وليس بالتعالي، بالتواضع المعرفي والبعد عن الشخصنة، وبالعمل الجاد على تمتين المؤسسات التي ننتمي إليها، لأن دورنا وفاعليتنا من قوة هذه المؤسسات ومن مكانتها.

فلنعمل على إشاعة العقلية المؤسساتية، بديلاً من عقلية التفرد وسيادة المزاجية في إطلاق الأحكام واتخاذ المواقف.

إلى مزيد من التعقل والحكمة وعدم الانفعال، ففي ذلك خدمة للمثقفين والثقافة والوطن.

 

العدد 1102 - 03/4/2024