الحزب الشيوعي السوري الموحد طاقة متجددة

يذهب كثيرون إلى اعتبار ميلاد الحزب الشيوعي السوري عام 1924 مرتبطاً بإشعاعات ثورة أكتوبر الاشتراكية، التي احتفل العالم التقدمي بمرور مئة عام على قيامها.

والحقيقة أن نشوء الأحزاب الشيوعية في المنطقة العربية نابع من تضافر مجموعة من العوامل مرتبطة بنضالات الطبقة العاملة في العالم أجمع، مما ساعد ومهد لقيام هذه الأحزاب، دون أن ننفي أو نلغي تأثيرات ثورة أكتوبر على العالم، ومنها على المنطقة العربية ومن ضمنها تأثيرها في نشأة الأحزاب الشيوعية في المنطقة.

نشأ الحزب الشيوعي السوري (عام 1924) عشية الثورة السورية الكبرى التي بدأت عام 1925بعد سلسلة من الانتفاضات المحلية عمّت عموم المحافظات السورية وجدت أعلى أشكال تجليها في إعلان الثورة السورية الكبرى بتشكيل قيادة سياسية موحدة أوكلت إلى القائد سلطان باشا الأطرش مهمة القائد العام لهذه الثورة.

قبل الثورة السورية الكبرى شهدت سورية عدة حركات وانتفاضات رافضة للانتداب الفرنسي، فما إن وطئت أقدام المحتلين الفرنسيين التراب السوري حتى شهر يوسف العظمة سيفه لمقاومة الانتداب الفرنسي، وهو يدرك أنه لن يردّ الفرنسيين ولكن كي لا يقال فيما بعد إن الفرنسيين دخلوا إلى سورية دون مقاومة.

هذه الواقعة أشعلت حركة نهوض مقاومة عامة ساهم الحزب في النضال فيها مع سائر الحركات السياسية والقوى الاجتماعية التي رأت أن مصلحة الوطن وطرد المحتلين يستدعيان أوسع تحالف بين القوى الوطنية، من أجل إنجاز مهام الاستقلال وجلاء القوات الفرنسية عن أرض الوطن وحماية السيادة.

وكان من الطبيعي أن يقف الحزب ضد الإقطاعيين المتحالفين مع المستعمرين، فكان عداء الحزب للإقطاع والإقطاعيين حافزاً للتعاطف مع الفلاحين وتمرداتهم حتى بعد مرحلة الاستقلال، ولأن الحزب يمثل مصالح العمال المتحالفين مع الفلاحين كان لابدّ له من خوض معارك عنيفة ضد الإقطاعيين وأعوانهم، ومن أجل نصرة قضايا الفلاحين ومساندة مطالبهم العادلة.

يحق للحزب الشيوعي السوري أن يفخر حقاً بأنه أول حزب في سورية يرفع راية الاشتراكية العلمية ويبشر بأفكارها، ويعمل على توطيد التحالف مع الحركة العمالية العالمية ومع منظومة الدول الاشتراكية مؤكداً أهمية الصداقة مع الاتحاد السوفييتي، حصن الاشتراكية في ذلك الوقت.

استطاع الحزب الشيوعي السوري بفضل نشاط أعضائه ووطنيته ومصداقيتهم في علاقتهم مع الجماهير أن يكسب تعاطفاً شعبياً واسعاً، وخاصة بين أوساط العمال وفي النقابات وأيضاً في أوساط المثقفين والفنانين والكتاب والمبدعين، تجلّى ذلك في دور الحزب في تأسيس رابطة الكتاب السوريين في خمسينيات القرن الماضي، التي يعود الفضل في تأسيسها إلى الحزب الشيوعي السوري.

الحزب الشيوعي السوري هو أول حزب في سورية ينشر الفكر الماركسي ويتبناه في كل تحليلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، معتمداً الفلسفة الماركسية بأجزائها المكونة مرجعاً نظرياً هادياً له في مجمل أنشطته.

تعرض الحزب عبر تاريخه لهزّات عنيفة كحملات الاعتقال والسجن وشتى أشكال الاضطهاد التي بلغت أوجها في عهد الوحدة السورية- المصرية، كما أن الانقسامات داخل الحزب أدت إلى إضعافه وخروج عدد من الرفاق من صفوفه احتجاجاً على ممارسات بعض قيادييه التي كرست عبادة الفرد في الفكر، وفي التنظيم، وفي إعداد الكوادر، وفي مجمل أنشطة الحزب.

بقي الحزب منذ تأسيسه وفياً وأميناً على القضية الوطنية فلم يسجل عليه عبر تاريخه الطويل، وبموضوعية وإنصاف، أي موقف فيه تهاون أو مساومة على القضية الوطنية التي ربط الحزب ربطاً جدلياً بينها وبين القضية الطبقية الاجتماعية.

دعا الحزب إلى جبهة وطنية موحدة في النضال ضد الاستعمار ومن أجل التقدم الاجتماعي، ثم انتقل إلى رفع شعار الجبهة الوطنية التقدمية التي تشكلت رسمياً في سبعينيات القرن الماضي وهي مازالت تمارس دورها وتأثيرها في الحياة السياسية للبلاد، وصارت بحاجة ماسة إلى التطوير والتفعيل لتكون القائد الفعلي.

الاحتفالية بميلاد الحزب تستدعي وقفة موضوعية مع تاريخه، كما تتطلب رسم آفاق جديدة لعمله في المجالات كافة الفكرية والتنظيمية وعلاقاته مع الجماهير، فحركة الحياة والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية تفرض على الحزب تقديم إجابات عن أسئلة تطرحها الحياة، ليس من السهل إيجاد حلول لها بروافع قديمة، بل يمكن القول إن أنماط التفكير القديمة لم تعد قادرة على الإجابة عن هذه الأسئلة، سواء أكانت المشكلة في المرجعيات النظرية والفكرية، أو في القضايا السياسية الملحة، أو في علاقات التحالف وفي قضايا البنية التحتية للمجتمع وما تعززه من بنى فوقية شديدة التداخل والحساسية، في وضع معقد تمر به سورية، وهي على أبواب الانتقال إلى ما يسمى بإعادة الإعمار للإنسان والوطن، بعد معارك السبع العجاف بكل ما أفرزته من مخلفات.

الحزب الشيوعي السوري طاقة متجددة باستمرار، وعقل جمعي وخبرة وتجربة غنية علينا جميعاً حزبيين وحلفاء وأصدقاء ووطنيين أن نساهم في عملية تجديده وجعله حزباً أكثر قدرة على القيام بواجبه الوطني والطبقي والقومي والإنساني، فعليه وعلى حركية تجديده تعلق آمال كبيرة، وكلنا ثقة بأن هذا الحزب، الذي اجتاز تجارب الماضي المؤلمة، قادر على الانتقال إلى حالة من الحراك الفكري والثقافي والسياسي، لما يملكه من مؤهلات نظرية وخبرات عملية تواكب استحقاقات المرحلة القادمة التي ستحدد ملامح سورية المستقبل، سورية العلمانية التعددية الديمقراطية.

العدد 1102 - 03/4/2024