ربع الساعة الأخيرة

تسير الأحداث السياسية أحياناً بخطوات بطيئة، وفي أحايين أخرى تتسارع الخطوات باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية التي أخذت زمناً طويلاً، ولا بُدَّ بعد أن قطعت ثلاثة أرباع المسافة في أبعادها المحلية والإقليمية والدولية، وما جرى في هذه السنوات الأربع والنصف من ويلات وآلام وأحزان ودموع، لا بُدَّ أن تجري تحوّلات في المواقف السياسية خاصة عندما تتوفر الفرص لذلك.

لقد بدأت المواقف الصلبة للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا خاصة، تنصهر في مرجل التغيرات الميدانية وتبديد بعض الغيوم الرمادية في فضاء السياسة الإقليمية والدولية. ذلك أن أفضل الحلول للأزمة السورية هو الحل السياسي بعد أن تعددت الجولات واللقاءات والمؤتمرات وتقديم المبادرات وعشرات الاقتراحات.. وتعدد المبعوثين الدوليين إلى المنطقة للبحث عن حل يحقق السلام في سورية والمنطقة. ويأمل ديمستورا الذي سيزور سورية قبل نهاية أيلول، أن تمدّد (داعش) سبب أكثر من كافٍ لجمع الفعّالين الإقليميين والدوليين، الذي يعوّل على خلق مجموعة اتصال دولية، وتأكيده أن جمع  إيران والسعودية يمكنه حسم الصراع في وقت قياسي.

ومن أبرز العوامل التي أحدثت بعض التبدلات في المواقف السياسية الدولية والإقليمية وفي إيجاد إحداثيات جديدة لخريطة الطريق والترويج لربع الساعة الأخير هي:

أولاً– سقوط مقولة تحقيق أية خطوة باتجاه الحل السياسي (دون الرئيس بشار الأسد).

ثانياً– صمود الجيش العربي السوري ووحدته طيلة السنوات الماضية في محاربة الإرهاب والإرهابيين، وعدم نفاد صبر الشعب السوري، رغم سياسة التهجير التي خططت لها أوربا وكانت المسبّب لها أيضاً، ومعاناة المواطنين من الغلاء الفاحش واستشراء الفساد، والدور التخريبي لتجار الأزمات وحيتانها وسماسرة التهجير.. وغير ذلك.

ثالثاً- التحوّل في مواقف بعض الدول العربية.. وما نتج من تطور وتحسّن في العلاقات الروسية- المصرية بعد لقاء القمة بين رئيسي الدولتين. التغيرات أيضاً في العلاقات السورية – المصرية، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين سورية وتونس ودول أخرى، والتمهيد الدبلوماسي الذي تقوم به دول عربية وأوربية.

رابعاً– التغير في مواقف عدد من الدول الأوربية، منها: النمسا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا. فقد دعت النمسا إلى مشاركة الرئيس بشار الأسد وإيران وروسيا في المعركة ضد (داعش). وطالبت إسبانيا بالتفاوض مع الحكومة السورية من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار.

خامساً- أبدى الرئيس الإيراني استعداده للمشاركة في محادثات موسعة تضم الولايات المتحدة والسعودية لحل الأزمة السورية، معتبراً أن الأولوية هي لوقف القتل والتدمير وعودة المشردين قبل الديمقراطية.

سادساً– تعزيز التحالف الروسي –  السوري بمواصلة تقديم السلاح والخبراء، وعدم إخفاء تقديم المساعدات باعتبارها استمراراً لاتفاقيات عسكرية بين الدولتين يجري تنفيذها على مراحل.

سابعا– أدت موجات هجرة السوريين إلى أوربا كإحدى إفرازات الأزمة السورية، إلى بوادر انقسام في دول الاتحاد الأوربي الـ .28.!

ثامناً– فشل حملة واشنطن ضد روسيا.. ورشّ الكثير من البهارات الفاسدة.. ومحاولة تشويه العلاقات الروسية – السورية التاريخية.

تاسعاً– فشل التحالف الخليجي في العدوان على اليمن، وعدم التدخل المصري المباشر، والأحرى اتخاذ موقف المتفرّج، والدعوة لتسوية سلمية للأزمات في المنطقة.

ومن عوامل النجاح الهامة للتقارب السوري – المصري التي ينبغي التذكير بها هي:

1 – الاتفاق السوري – المصري على محاربة الإرهاب بكل أشكاله.

ب –  الموقف السوري – المصري الموحد تجاه أردوغان الإخواني.

ج- دور الجيشين المصري والسوري في المنطقة، كأساس متين لمحاربة الإرهاب باعتراف أمريكي وأوربي.. والتاريخ النضالي الطويل ضد الاستعمار القديم والحديث. واشتراكهما في حرب تشرين التحريرية ضد العدو الصهيوني. وتوّج هذا التطور مؤخراً بزيارة اللواء مملوك إلى القاهرة ولقائه الرئيس المصري.. وقيّمت هذه الزيارة تقييماً إيجابياً.

لقد أصبحت عوامل القوة واضحة في تبدّل المواقف السياسي وإن لم تنضج ثمارها بعد، رغم أن واشنطن ما تزال تمارس سياستها المعهودة: الكيل بمكيالين والتناقض في مواقف رعاة البيت الأبيض وحرَّاسه. فما يجري من مباحثات بين موسكو وواشنطن وما يتم الاتفاق حوله، يخترقه كيري بعد ساعة، وذلك لإرضاء أصدقائه الخليجيين والأتراك وما يطلق عليه أوباما (المعارضة المسلَّحة المعتدلة).

يبدو أن شمعة تنير طريق السلام في هذه العتمة السياسية واستمرار الحوارات من أجل إيجاد الحل السياسي للأزمة السورية، وأن هناك من يشعلها ويصدّ بقوة من يحاول إطفاءها..

العدد 1105 - 01/5/2024