من سوتشي إلى مسقط…ارتفــاع منســـوب التفــاؤل

لم تكتمل الأجوبة بعد للاتفاق على الحل السياسي لأزمات المنطقة، رغم التطورات السياسية (الإقليمية والدولية) التي توصف بالإيجابية، وإن دلَّ هذا على شيء فيدلّ على التباين الجوهري بين مواقف الأطراف الإقليمية، علماً أن هناك مؤشرات تؤكد الاتفاق بين (واشنطن وموسكو) لتذليل الصعاب وإزالة بعض العثرات، خاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني الذي بدأ يحصد نتائج إيجابية مبكّرة.

تعددت اللقاءات والمبادرات وازداد التناحر والتباين  في المواقف منذ بدء الأزمة السورية، وما تبعها من أزمات عربية قبلها وبعدها. ولا تسير السياسة على خط مستقيم لكنها تتبدل في الشكل وتحافظ على جوهر مواقف الدول في المضمون، كما يجري الآن وقبل سنوات خمس. وترى واشنطن إمكانية الحل السياسي من دون الرئيس بشار الأسد.. وتضيف (مع عدم الممانعة في مشاركته في مكافحة الإرهاب)، فهذه سياسة واشنطن التي لن تثبت على موقف.. وليس هذا بالجديد، بل يمكن تسميتها بـ(السياسة المتأرجحة المبنية على احتكار جميع مواسم السنة وترك الآخرين جياعاً). ولن تغيّر موسكو موقفها فقد أسست عليه عديد المبادرات التي حققت بعض النجاح. وهي تؤكد دائماً أن حل الأزمة السورية لن يكون إلاَّ بوجود الرئيس الأسد. وتصرّ الرياض على حل متزامن في اليمن وسورية.. ولكن.. ينتهي بتحقيق نفوذ لها في اليمن وسورية ولبنان.. والموقف التركي يأخذ الاتجاه نفسه، فأنقرة لن تغير موقفها الداعي إلى (إسقاط الدولة السورية ومسحها من خريطة المنطقة). وأن يحقق لها إقامة منطقة آمنة على حدودها الجنوبية.. ومحاربة الأكراد وعدم اقترابهم من حدودها خوفاً من إقامة إدارة كردية مستقلة تشكل خطراً عليها. أما إيران فهي مع حل سياسي ركز عليه المرشد الأعلى وقال: (إن إيران لن تتخلى عن حلفائها لا قبل الاتفاق النووي ولا بعده.. مع الإصرار على بقاء الرئيس بشار الأسد..).

تسارعت التطورات السياسية في هذا الصيف الملتهب (ميدانياً وسياسياً). فعلى الأرض حقق الجيش العربي السوري هزيمة للمسلحين في مناطق عديدة .. ولا يزال لهيب المعارك في الزبداني والغوطة الشرقية والغاب ودرعا ودير الزور وغيرها، يترافق مع تطور سياسي أصبح واقعاً ملموساً وليس افتراضياً.. وهناك من يقول: إن ما يجري لن يحقق تفاؤلاً كبيراً، وآخر يبرر التشاؤم بعدم قطف ثمار المبادرات. والبون شاسع بين التفاؤل والتشاؤل،  لكن الأمور لا تسير كما نريد، فالعثرات ما تزال تحتفظ بمواقعها وفي الوقت ذاته تجري محاولات جادة لاجتيازها. ورغم كل مايجري من تناقض، فالحراك السياسي الدولي والإقليمي يعتبر (قفزة) وإشارة إلى خروج بعض الدخان الأبيض.. وهذا هو التفاؤل الذي يبدّد نزعات المعرقلين التشاؤمية.

لقد شكَّلت مبادرة بوتين إحدى أهم قواعد الانطلاق وتحقيق فُسْحة انفراج، والدخول بشكل جدّي وواقعي في البحث عن حل لأزمات سورية واليمن والعراق.. وهذا ما يجري اليوم من خلال اللقاءات الثنائية والثلاثية في طهران ومسقط والرياض وموسكو، رغم وجود مواقف متشنّجة للسعودية وتركيا، وتكرار الموقف الأمريكي (بأن الحل السياسي سيكون من دون الرئيس بشار الأسد). ويمكن تشبيه هذا الموقف الذي ملّ منه السياسيون بشكل عام، (بالقميص الذي يتغير لونه بعد غسله ولم يعد صالحاً).

هناك.. رغم اختلاف المواقف التكتيكية والاستراتيجية إجماع مع وجود (استثناءات)، على أن الحل السياسي هو الطريق للوصول إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط.. وأن الاتفاق النووي الإيراني ساهم فعلياً في تقريب المواقف وأن الحوار هو الوسيلة الوحيدة للنجاح و(تعزيل) الطريق من القاذورات السياسية التي يضعها المأزومون في الطريق..!

ويعلم السياسيون والمخضرمون والمتابعون لمجريات الأمور (أن السياسة فنّ مراوغ مثل المرأة الجميلة).. ولكن هناك من يؤكد بلسان صريح، وجود (شبه تفويض) أعطته واشنطن لموسكو يرتكز على:

أولاً – أولوية مكافحة الإرهاب.

ثانياً – حتمية الحل السياسي.

ثالثاً – خروج كل الأطراف الإقليمية وتحديداً (إيران والسعودية وتركيا) بمكتسبات من مثل هذا الحل.

 

تستمر اللقاءات الثنائية والثلاثية في الرياض ومسقط وطهران .. وستقطف ثمارها موسكو.. خاصة بعد الإعلان عن زيارات في الأيام القادمة لولي ولي العهد السعودي الذي –  كما يتردد – يمهّد لزيارة الملك السعودي قبل نهاية هذا العام.. وأيضاً يستعد رئيس الدبلوماسية السورية وليد المعلم للزيارة .. وكذلك وزير خارجية السعودية. ويبدو أن جميع الأطراف تسعى إلى تحقيق حل سياسي للأزمات في المنطقة، خاصة بعد أن وصل إرهاب (داعش) إلى قلب السعودية، وتهديده معظم الدول العربية والأوربية.

العدد 1104 - 24/4/2024