«التعفيش»

 تسود في بلادنا الآن، موجة من الارتياح والتفاؤل، فرحاً بالانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري ومعه القوات الرديفة والحليفة والصديقة، على القوى الرجعية الفاشية والإجرامية، فقد حررت معظم الأراضي والمواقع التي سطا عليها الإرهابيون، 

وأعادت أجواء الحياة الطبيعية إليها، وتوسعت عمليات المصالحات وتسوية الأوضاع للذين ساهموا في أعمال التمرد المسلح، ثم عادوا عنها، إما لتغير قناعاتهم وانكشاف حقيقة الصراع أمامهم، أو لشعورهم بانسداد الأفق أمام مشروع الفتنة الكبير الذي بدأ منذ سبع سنوات، أو بسبب الهزائم العسكرية التي لحقت بفصائلهم.

ولم تصل البلاد إلى هذه المرحلة إلا بعد أن دفعت أثماناً باهظة جداً من دماء شبابها البواسل الذين استرخصوا الموت دفاعاً عن الوطن وشرف الأمة، وبعد أن شُرِّد وهجّر ملايين الناس، ودُمّرت مؤسسات ومبان بناها السوريون منذ عشرات السنين، بعرق جبينهم وجهد شبابهم.

إن التحول الإيجابي التي بدت ملامحه في حياة السوريين يجب أن يستمر، ويحب ألا يعكر صفاءه ظواهر سلبية ومؤلمة وتحز في النفس.

فكيف يمكن أن نصف عملية تجريد بيوت وأحياء بكاملها من أثاثها وفرشها الذي كانت تستعمله قبل الحرب؟ وكيف ستعود هذه العائلات إلى منازلها، وهو الأمر الذي نؤكد ضرورته، ونركز عليه، سياسياً واجتماعياً وإنسانياً، إذا كانت منازلها (مقشّطة) من كل مستلزمات الحياة الطبيعية؟
بل ومن أين يأتي المواطنون الذين عُفّشت بيوتهم بالأموال اللازمة لإعادة شراء الأثاث الضروري بعد أن ارتفعت الأسعار، أسعار كل شيء، بنسب تتراوح ما بين 200 و500%، بفضل (جهود) الحكومات المتعاقبة؟!

ليس منا من لا يقدّر ظروف الحروب، ونتائجها ومساراتها، ومساوئها وتداعياتها، على كل الأصعدة، ولكن المواطنين الذين نُهبت بيوتهم ليسوا هم الذين يجب أن يدفعوا ثمن حالة الفوضى،
بل تحتاج العملية إلى تنظيم وضبط وربط شديدين، يمنع فيها كل شخص أياً كان من المساس بأثاث المنازل تحت طائلة العقوبات الشديدة، وإذا لزم الأمر، يمكن تجميع ما هو صالح للاستعمال في أماكن منعزلة وتوضع تحت حراسة مشددة، ومن ثم التصرف بها بشكل رسمي ونزيه.

إن هذه الظاهرة أصبحت هاجساً يقضّ مضاجع الذين نجوا من دمار الحرب، ولكنهم لم ينجوا من الفوضى التي خلفتها هذه الحرب اللعينة، والاستغلال البشع الذي رافق هذه الفوضى. 

العدد 1107 - 22/5/2024