الدور العدواني لـ«إنجرليك»
منذ 61 سنة (1954) بُنيت قاعدة (إنجرليك) في مدينة أضنة جنوب تركيا التي تستخدمها القوات التركية، إضافة إلى وجود الوحدة 39 للطائرات الحربية للقوات الأمريكية. وكلمة (إنجرليك) تعني (التين شجرة بستان) باللغة التركية، وتضم 48 من الطائرات المقاتلة إضافة إلى 1200 موظف.. ومن مهامها مراقبة العمليات التي تقوم بها مختلف وحدات الجيش الأمريكي المنتشرة في المنطقة، وتقدم القاعدة دعماً عملياتياً وإدارياً ولوجستياً وطبياً للقوات الأمريكية الموجودة في خمس مناطق مختلفة داخل تركيا. ويبدو أن شجرة التين هذه ما تزال تزوّد الأتراك وحلف الناتو بأكواز التين الحلوة التي تزيد من حريرات العدوان ضد الشعب السوري والعراقي. وقبل إنجرليك وبعدها ومنذ قرون ما تزال الدولة العثمانية (الجارة الشمالية العدوة) لسورية، خاصة أنها تشكل أحد أصابع الديناميت للإمبريالية الأمريكية والصهيونية لأنها من دول حلف شمال الأطلسي ذي السمعة السيّئة.
لقد طلبت الولايات المتحدة من تركيا فتح هذه القاعدة أمام التحالف الدولي ضد (داعش)، وسرعان ما كانت ردود الفعل تعبّر عن رفض التدخل العسكري في الشؤون الداخلية السورية، وكان الموقف السياسي التركي المعلن هو محاربة (داعش)، لكنّه في الحقيقة ضد الأكراد وخوف أردوغان وحزبه من تشكيل كيان كردي على حدودها الجنوبية. وأعلنت القاهرة عن موقف صريح: (الحفاظ على وحدة الأراضي السورية). أما بغداد فقد (نددت بالغارات التركية ضد حزب العمال الكردستاني معتبرة ذلك انتهاكاً لسيادتها).
لقد تغيّر الموقف التركي.. فمنذ أشهر رفضت تركيا مشاركة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الحرب على (داعش)، لكن السياسة التركية الزئبقية تبدلت بعد أن طرق الإرهاب أبواب حكومة العدالة والتنمية وهاجم الضباط الأتراك، إضافة إلى عديد التفجيرات في المدن التركية وزعزعة الأمن في البلاد. وأوضح مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قائلاً: (أستطيع القول إن تركيا قد منحتنا موافقتها على استخدامنا وأعضاء آخرين في التحالف طائرات بطيار وأخرى دون طيار، في عمليات جوية ضد (داعش) وستنطلق هذه العمليات من قاعدة (إنجرليك)).
ووضعت تركيا لتوقيع الاتفاقية مع الولايات المتحدة ثلاثة شروط هي:
أولاً – إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لحماية السوريين الفارين من الحرب.
ثانياً – إعلان حظر جوي بما يعنيه ذلك من احتمال ضرب الدفاعات الجوية الأرضية السورية، أي وضع سورية على لائحة أهداف التحالف الدولي.
ثالثاً – منح الدعم الكامل (للمعارضة السورية المعتدلة).
شكلت (إنجرليك) منذ تأسيسها مخزناً وقاعدة حربية عدوانية ضد العراق وسورية، وكان لها دور عدوانيّ تدميري كبير في حرب الخليج… وتعتبر مركز الإمداد العسكري في المناطق الجنوبية.. وهناك من يؤكد أنها تحتوي على 150 رأساً نووياً. ودغدغت الأحلام ذاكرة حزب التنمية منذ أن أصبحت بيده مقاليد الحكم. وتصوَّر أنه بدأ يستعيد أحلام تركيا ويفكر بإحياء دور إمبراطورية أجداده. وأن مهمة كبيرة تقع على عاتقه في مطلع هذا القرن، ويدَّعي أنه المسؤول عن رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، وأن لتركيا أفضلية المرور على جميع دول المنطقة والتحكّم في مصائرها السياسية والاقتصادية تحت راية الإمبريالية الأمريكية.
هل توجد محفّزات سياسية (إقليمية ودولية) وميدانية قتالية جديدة لتركيا، كي تحقق أهدافها القريبة والبعيدة في السياستين (الداخلية والخارجية)؟
هل بدأت مبادرة الرئيس الروسي تشكل حلقة جديدة في خارطة الطريق لحل سياسي للأزمة السورية بعد أن داهم الإرهاب معاقل دول التحالف الإقليمي والدولي؟
سؤالان كبيران ينتظر منهما ظهور الدخان الأبيض من نوافذ غرف اللقاءات السرية أو نصف العلنية لمسؤولين سوريين وسعوديين..!؟
ويأمل الشعب السوري الذي تحمَّل عواقب الأزمة وضحّى بأبنائه، ووقف شامخاً وسنداً قوياً للجيش العربي السوري الذي يخوض المعارك في جبهات القتال وقدَّم ألوف الشهداء في مواجهة التكفيريين والظلاميين ومشاريع التقسيم والتفتيت، يأمل بأن إعادة العلاقات الدبلوماسية التونسية السورية، ومن المبادرة الإماراتية بزيارة وفد أمني ودبلوماسي إلى دمشق، ومنح عدد من الدبلوماسيين السوريين الجدد تأشيرات دخول إلى أراضيها… جميعها تعطي إشارات ودلالات أن الخطوة الأولى في الطريق الصحيح رغم ما يعترضها من عقبات أصبحت واقعاً.. ولا بدّ أن تتبعها خطوات أخرى..!