واشنطن وحلفاؤها.. من مناورة عسكرية إلى أخرى!

د. صياح فرحان عزام:

بدأت يوم 24 كانون الثاني الماضي، أكبر وأضخم مناورة عسكرية لحلف شمال الأطلسي منذ نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، وتستمر حتى شهر أيار المقبل، وتمتد على الأراضي الأوربية من النرويج إلى رومانيا، بمشاركة الدول الـ31 الأعضاء، إضافة إلى السويد التي وافقت تركيا مؤخراً على انضمامها للحلف، وقد أطلق على المناورة اسم (المدافع الصامد 2024).. وبطبيعة القوات المشاركة فيها وحجمها وتنوعها، يتضح أن الحلف يضع الخطط لمواجهة محتملة مع روسيا، وهو لذلك يقوم بمناورة عسكرية تحاكي الحرب من خلال مشاركة أكثر من 90 ألف جندي من بينهم 20 ألف جندي بريطاني و15 ألف جندي بولندي و10 آلاف جندي ألماني وألفي جندي هولندي، إضافة إلى خمسين سفينة حربية متعددة المهام، و80 طائرة مقاتلة، وأكثر من 1100 عربة مدرعة.

القائد الأعلى لقوات حلف الأطلسي في أوربا كريستوفر كافولي، أكد أن دوافع المناورة هي الوقوف على قدرة الحلف على الدفاع عن أراضيه، من خلال محاكاة سيناريو الصراع الناشئ، ضد خصم قريب، في إشارة إلى الحرب الأوكرانية، وأضاف (نحن الآن بصدد جعل خططنا قابلة للتنفيذ والتأكد من قدراتنا).

لا شك أن هذه المناورة غير عادية، وتُنفّذ وسط حرب ضارية في أوكرانيا، ولأن الجيش الأوكراني لم يحقق تقدماً يذكر، بل هو يخسر المزيد من الأرض والقوات، لذا فإن حلف الأطلسي بدأ يضع في حساباته احتمال هزيمة أوكرانيا، التي تواجه مأزقاً في الحصول على السلاح، وفشل هدف هزيمة روسيا، ما يشكل هزيمة للحلف، الأمر الذي يستدعي وضع خطط عسكرية بديلة من بينها إطالة أمد الحرب، كما ألمح إلى ذلك أمين عام الحلف ينس ستولبتنرغ الذي دعا إلى الاستعداد لحرب طويلة، لأنه إذا توقف الأوكرانيون عن القتال فسوف تختفي أوكرانيا من الوجود، حسب زعمه.

كذلك أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في مجلس النواب الأمريكي مؤخراً أن هزيمة أوكرانيا تهدد بصدام عسكري مباشر بين روسيا وحلف الأطلسي، وهذا يشير إلى عدم استبعاد المواجهة، في الوقت الذي أشار فيه الكرملين إلى أن روسيا لا تشكل تهديداً لأي دولة أوربية، إلا أنها لا تتجاهل أي أعمال قد تشكل خطراً على أمنها ومصالحها.

بطبيعة الحال، إن مناورة (المدافع الصامد) أثارت مخاوف موسكو، لأنها تجري على مساحة واسعة من الأراضي المجاورة لها، وبأعداد ضخمة من الأسلحة المتنوعة والجنود، فهي مناورة استفزازية مئة بالمئة.

وفي الوقت نفسه، بدأت مناورات عسكرية أخرى واسعة النطاق بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، تحت اسم (درع الحرية)، وتنفذ هذه المناورة وسط تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وفي منطقة بحر الصين الجنوبي، بما يشكل مخاطر الانزلاق إلى مواجهة عسكرية تضع منطقة شمال شرق آسيا في خطر شديد، خاصة أن المناورات تشارك فيها حاملة طائرات، وقاذفات قنابل، والأصول الفضائية والسيبرانية، وتشمل مناورات (درع الحرية) البرية والبحرية والجوية ضعف عدد القوات من الجانبين، مقارنة بالعام الماضي من دون الكشف عن عددها.

بطبيعة الحال، مثل هذه المناورة تشكل استفزازاً واضحاً لكوريا الديمقراطية، وقد ردت على ذلك بغضب وقالت إن هذه التدريبات تدريبات على حرب نووية، ووصفتها بأنها عدوانية، وحذرت سيئول وواشنطن من دفع ثمن باهظ، ودعتهما إلى وقف هذه المناورات المتهورة.

لا شك في أن هذه المناورة تؤدي إلى عدم الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، وتنذر بعواقب وخيمة، إذا ظل التحدي متواصلاً بين كل من كوريا الديمقراطية من جهة وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، بسبب استمرار واشنطن في العمل على تعقيد أي حل بين الكوريتين، وترسيخ بذور عدم الثقة بينهما بأساليب خبيثة، بمعنى آخر تسعى واشنطن باستمرار إلى تكريس عقلية العِداء والحرب بين الشقيقتين.

وهكذا، فإن مثل هذه الممارسات ومن ضمنها المناورات العسكرية التي جئنا على ذكرها لن تؤدي إلا إلى زيادة التوتر في المنطقة وتعزيز وتقوية روح المواجهة المسلحة، وتقويض كل عوامل الثقة التي يجب أن تُبنى عليها علاقات الدول، خاصة العلاقات الكورية – الكورية.

العدد 1104 - 24/4/2024